قبل البدء أجيب عن سؤال؛ ما الذي يحفزك للكتابة في السياسات والقضايا التعليمية؟ إضافة إلى كون التعليم مصدر شغفي وخبرتي الممتدة لما يقارب ربع قرن، فإنني أنشد حواراً حوله، مدركاً أهمية النقد والجدلية واختلاف وجهات النظر حوله. لا سيما بوابة العمل فيه تشترط معرفة أبجديات التفكير النقدي الذي لولاه لما اجتزنا متطلبات الدراسات العليا والبحث العلمي. موضوعنا عن نظام الجامعات الجديد، وقد انتظرت حتى انتهاء الحفلة الإعلامية حوله، من مبدأ أن لا أحد يسمعك وقت الضجيج. كنا بحاجة لنظام جديد لأسباب أهمها: 1- وجود فراغ تشريعي بعد دمج وزارتي التعليم العالي والتعليم وإلغاء مجلس التعليم العالي. 2- استلهام رؤية 2030 في تطوير الموارد البشرية ورفع كفاءة التشغيل وتطوير الموارد الذاتية. 3- دعم الجامعات للانطلاق نحو المستقبل وتحفيزها لمقارعة مثيلاتها العالمية عبر التنافسية والمرونة والكفاءة التي تقود لتميز المخرجات. لفهم أي نظام يتطلب الأمر استيعاب فلسفته الفكرية، قبل الانطلاق لفقراته الإجرائية بشكل مفصّل. وكنت أفهم، دون أن يصرح المعنيون بذلك، أن فلسفة أو تركيبة نظام الجامعات ستبنى وفق ثلاثة مستويات، من القاعدة للقمة: المستوى الأول: التنفيذي ويمثّله مجلس الجامعة المعني بالأمور التنفيذية. المستوى الثاني: الرقابي ويمثّله مجلس الأمناء المعني بالحوكمة ومراقبة الأداء وتطبيق وتطوير الأنظمة. المستوى الثالث: التشريعي ويمثّله مجلس شؤون الجامعات المعني بوضع التشريعات الوطنية ذات العلاقة وإقرار ماله علاقة بالقرارات السيادية العليا ذات العلاقة. وفق هذا البناء يفترض تعمق مجلس شؤون الجامعات في الجوانب الفكرية والتشريعية الوطنية، مقارنة بالمهام الأكبر التنفيذية التي يتولاها المجلسين الآخرين، وقد أسس مجلس الأمناء ليحمل عبء الرقابة والحوكمة لكل جامعة. لكن ما حصل في توزيع الصلاحيات لم يراع ذلك فوجدنا المجلس التشريعي يستحوذ على صلاحيات واسعة تتجاوز التشريع إلى تولي مهام تنفيذية ورقابية تعارض استقلالية الجامعة الإدارية والتشغيلية والتنظيمية والأكاديمية، وتقلّص التمايز والتنافس كضرورات للإبداع، وتهمش مجالس الأمناء، التي يبدو أنه لم يوجد استيعاب أو ثقة كافية بأدوارها. بلغت صلاحيات مجلس شؤون الجامعات 24 صلاحية وكثير منها يفترض أن تترك للجامعات لتقرر كل منها ما يناسبها. على سبيل المثال، نجد المادة السابعة، الفقرات 2، 3، 4، 5، 7، 9 ، 10، 13، 20 (الفقرة كاملة أو جزء منها) يفترض أن تبقى صلاحيات خاصة بالجامعة وبمراقبة ومتابعة من مجلس أمنائها. لماذا لا يترك للجامعة الصلاحية في تحديد الدورات التي ترى تقديمها برسوم أو خلافه؟ لماذا لا يترك للجامعة ومجلس أمنائها إقرار إضافة أو إلغاء قسم أو عمادة؟ لماذا لا ترسم الجامعات لوائحها المالية والإدارية؟ لماذا لا يترك للجامعة رسم سياسة صندوق الطلاب الخاص بها وإنشاء صناديق أخرى؟ لماذا لا يكون صلاحية الجامعة تحديد لوائح كراسيها العلمية؟ أسئلة كثيرة - يمكن الرجوع للنظام لمعرفتها- لو تمعنا فيها سنجد أن المجلس الجديد يعيد نفس اللوائح القديمة ويكرِّس المركزية مع تغييرات في الشكل. الخلاصة؛ النظام الجديد لم يمنح الجامعات الاستقلالية التي كنا ننشدها ولا زالت المركزية وخلق جامعات متشابهة هي سيدة الموقف. بعض مقترحات في المقال القادم