استوقفت بعضَ النحويين مُثُلٌ، فهموا منها أن (الذي) قد يكون حرفًا موصولًا، أي مصدريًّا لا يعود إليه ضمير كما يعود إلى الاسم الموصول، فصلة هذا الموصول مجردة من ضمير رابط. قال ابن هشام: «فَأَما وُقُوع (الَّذِي) مَصْدَرِيَّة فَقَالَ بِهِ يُونُس وَالْفراء والفارسي وارتضاه ابْن خروف وَابْن مَالك»(1). قال الفارسي: «ويجوز في قوله {تَمامًا عَلى الّذي أَحْسَنَ}[154-آل عمران] وجه آخر على ما يراه البغداديون أيضًا، وحكاه أبوالحسن عن يونس، وهو أن يكون (الذي) مع ما بعده من الفعل فيمن قدّرَ {أحْسَنَ} فعلًا في تقدير المصدر، كما يرى الجميع ذلك في (ما) في نحو قوله {بما كانوا يَكْذِبون}[10-البقرة]، أي: بكذبهم، وهكذا قال البغداديون أو مَن قال منهم في قوله {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضوا}[69-التوبة]: إن المعنى: وخُضتم كخوضِهم. وحكى أبو الحسن عن يونس في قوله {ذلِكَ الَّذي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الّذينَ آمَنُوا}[23-الشورى]: كأنه: ذلك تَبشيرُ اللهِ عبادَه»(2). وصحح ذلك ابن مالك، قال: «قلت: حاصل كلام أبي علي أن (الذي) على ثلاثة أقسام: موصولة، وموصوفة مستغنية بالصفة عن الصلة، ومصدرية محكوم بحرفيتها. وهذا المذهب أيضًا هو مذهب الفراء رحمه الله، وهو الصحيح، وبه أقول»(3). قال ابن مالك: «وحُكي عن الفراء أنه سمع بعض العرب يقول: (أبوك بالجارية الذي يكفل) و(بالجارية ما يكفل). والمعنى: أبوك بالجارية كفالتُه. قال ابن خروف: وهذا صريح في ورود (الذي) مصدرية»(4). وذكر ابن مالك شواهد لذلك، قال: «ومنه قول عبد الله بن رواحة: فثبَّتَ الله ما أتاك من حسن ... في الْمُرْسَلين ونَصْرًا كالذي نُصِرُوا أي ونصرا كنصرهم، ومثله قول جرير: يا أُمَّ عَمْرٍو جزاك الله مغفرة ... رُدّي عليَّ فؤادي كالذي كانا [أي ككونه]. ومثله قول ابن أبي ربيعة: لو أنّهم صبروا عنّا فنعرفه ... منهم إذا لصبرنا كالذي صبروا»(5) [أي: كصبرهم]. وما ذهب إليه هؤلاء العلماء الأجلاء متوقف فيه، وقد أحسن أبو حيان القول في هذا وقال: «وأما ما استشهدوا به على أن (الذي) تكون مصدرية فلا حجة في شيء منه. أما قول بعض العرب (أبوك بالجارية الذي يكفل) ف(الذي) على حاله موصول، وبالجارية: متعلق بمحذوف، يدل عليه (الذي يكفل)، التقدير: أبوك كفيل بالجارية الذي يكفل، أو على إضمار (أعني)، كما يقدره بعض أصحابنا في كثير من المجرور، وإن كان (أعني) لا يتعدى في أصل الوضع بالباء. وأما (أبوك بالجارية ما يكفل) ف(ما) مصدرية، و(بالجارية) متعلق بمصدر محذوف، التقدير: أبوك كفالته بالجارية كفالته»(6). وأما الأبيات فتأويلها عنده في قوله: «وأما (كالذي نصروا) فيحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أصله: كالذين نصروا، فحذف النون، والتقدير: كنصر الذين نصروا. أو يكون (الذي) صفة لمصدر محذوف، والعائد عليه محذوف من نصروا، والتقدير: كالنصر الذي نصروه. وأما قوله: ....... ردّي عليّ فؤادي كالذي كانا فتأويله: كالفؤاد الذي كانا، والشيء يشبه بنفسه باعتبار حالين، تقول: زيد الآن كهو أمس، والمعنى: إن قلبي كان سليمًا فيما مضى من الزمان، والآن قد شفه الغرام، فرديه إلى الحالة التي كانت سبقت له»(7). ثم ختم تأويله بقول فصل لا مزيد عليه، قال: «وتأويل هذه النوادر أولى من إثبات قاعدة كلية بشيء محتمل مخالف لما استقر في اللسان العربي»(8). وحقّ لنا أن نقول إن (الذي) ليس حرفًا مصدريًّا. ** ** (1) ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص: 709. (2) الفارسي، الشيرازيات، ص 360 - 361. (3) ابن مالك، شرح التسهيل لابن مالك، 1: 219. (4) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 1: 266. (5) ابن مالك، شرح التسهيل لابن مالك، 1: 219 - 220. (6) أبو حيان، التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، 3: 138. (7) أبو حيان، التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، 3: 138-139. (8) أبو حيان، التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، 3: 139.