{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}. انتقل إلى رحمة ال+له تعالى زوج أختي وابن عمي، أبو عثمان عبدالرحمن بن عثمان السليمان، ليلة ثالث أيام عيد الفطر 1441ه. وصلني الخبر من أخي بدر فكان كالصاعقة علي، كنت جالساً عند أحد الأحبة لا ألوي على شيء، ولما عرفت اضطربت واحترت فلم أعلم إلى أين أذهب وماذا أفعل، كنا في حجرٍ كامل في أيام عيدٍ وفي أزمة كورونا، هل أذهب إلى المستشفى أم ماذا أفعل! بعد حيرةٍ ومكالمة بيني وبين أخي ذهبت إلى بيتي أدعو له، وأسترجع ذكريات ماضية ومواقف عزيزة كانت تجمعني به، غفر الله له وكتب له أجر الصبر على البلاء، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.. (أنتم شهداء الله في الأرض)، وقد كان أبو عثمان رجلاً سمحًا لطيفًا كريمًا، يحب من يزوره في بيته، وكنا إذا زرناه في بيته في المجمعة يأتي بالغالي والنفيس لكي يدخل السرور علينا، وكان يهشّ لنا ويرحب ويعبر عن فرحته بمقدمنا. وكان رجلاً رقيق القلب، قصصت عليه مرةً عن أحد الصحابة فبكى، وقال بصوت متهدج: «الله أكبر.. الله أكبر». كان جواداً عطوفاً محبًا للخير والصدقة، كثيرًا ما يذكر لي أحداً من الأرامل والمساكين في المجمعة، مهتمًا لهم حريصاً على إصلاح شأنهم. ركنت مرةً سيارتي في حوش بيته وسافرت، ولما رجعت لم ينفتح الباب لي، فاضطررت إلى كسره، فوالله ما أذكر أنه حتى عاتبني أو لامني. يحبه الكبير والصغير، وكان شديد الرحمة بالصغار والتلطّف لهم، يقول لي ابني خالد: «كنت أنام بينه وبين عمتي، وكان يمازحني ويتلطف معي، ويفتح لي الثلاجة ويقول: خذ ما تشتهي من الشوكولاتة والحلوى». كان صديقًا لبناته رحيمًا بهن عطوفًا عليهم، تقول لي إحداهن: «كنت أخبره بأشياء لا أستطيع أن أخبر بها أحدًا من إخواني، من قربه مني ولطافته لي». (إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه)، وقد ابتلي بالمرض فكان قليل الاختلاط بالناس في الآونة الأخيرة، رغم حرصه من قبل على الصلة والتواصل، لكن ذلك بسبب ظروفه الصحية، وقد كان في مرضه صابرًا محتسباً حامداً ذاكرًا، لا يسأل إلا عن ميعاد الصلاة، رفع الله درجاته وتقبله في الصالحين. ولما قابل أخي عبدالله بناته قال لهن: «لا خوف على والدكم، أبوكم رجل خير وبر وإحسان وتلاوة قرآن». وكانت له خاتمة حسنة نحسبه كذلك والحمد لله، ومن رآه بعد وفاته أبصر وجهه مبتسمًا منيراً. أبو عثمان -رحمه الله - تخرَّج من كلية الشريعة، وكان ذكياً بارعاً في دراسته، رشح للقضاء فرفضه، وواعظاً في الشؤون الدينية في الحرس الوطني فرفض، واختار أن يكون معلمًا ليكون قريباً من والده رحمهما الله جميعاً. وقد خلف ذرية طيّبة مباركة، صالحين مبدعين ولله الحمد، منهم الطبيب والمهندس والمستشار والمعلم، فبارك الله فيهم ووفقهم، وجعلهم من بعده ولداً صالحاً يدعون له، فيجري الله عمله ويجزل ثوابه. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون}. ** **