في خضم الجائحة الكاشفة ل«كوفيد19» «كورونا» الوباء المحير، حاول الكثير من المتفائلين منا أوممن يحلو لهم دوماً النظر إلى نصف كوب الممتلئ البحث عن منافع قد تجنيها البشرية من جراء تلك الجائحة التي ألزمت ما يزيد على نصف سكان الكوكب بيوتهم؛ حيث تعددت تلك المنافع ما بين بيئية وصحية وامتدت لتشمل إعادة صياغة شكل العلاقات الاجتماعية بين بني البشر، ومن خلال هذا المنبر كانت لنا مع آخرين رؤية فيما سوف يجنيه العالم من مكاسب من جراء التفعيل الحتمي للعديد من المجالات التقنية نتاج ما نحن فيه من إلزام في التباعد؛ وبخاصة في مجالات تفعيل التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد ضمن مجموعة أخرى من المكاسب والدروس المستفادة من ذلك الوضع الاستثنائي الذي بدل الكثير من أوجه حياتنا المعاصرة. وفي خضم ذلك الزخم المتواصل من متابعة لحظية لتطورات حجم ما نحن فيه من كارثة؛ لم يعد يلفت انتباه الكثير منا العديد من الأخبار الأخرى التي تبثها وكالات الأنباء بعيداً عن زخم كورونا، إلا أن المدقق لمثل تلك الأخبار المغايرة ربما يلحظ بدايات حدوث تطور نوعي في مجال الجريمة يبدو أنه سيغير الكثير من قواعد اللعبة فيما يخص مجالات الأمن الإلكتروني أو لنقل أمن المعلومات؛ وبخاصة أن الكثير منا لا يزال يفكر في الجريمة بشكلها التقليدي الأمر الذي جعل مثلاً مبيعات السلاح للمواطنين الأمريكيين تزداد بنسب متضاعفة بحثاً عن أمن يرجونه في ظل تفرغ رجالات الأمن لمتابعة احترازات الجائحة العالمية؛ ليثار تساؤل جديد حول مصير تلك الأسلحة في عالم ما بعد كورونا وفقدان الآلاف من حاملي تلك الأسلحة لوظائفهم؛ فهل سيتم توجيهها نحو نقاط استهداف جديدة كمهاجمة السائحين أو تزايد أعمال الخطف المسلح وابتزاز الأفراد والشركات وغيرها؛ ودون أدنى انتباه.. في الضفة الاخرى من النهر، ثمة تطور في مجال الجريمة الإلكترونية، وهو ما ينذر بما يحدث الآن من تطور أدوات وسبل الجريمة الإلكترونية ربما بشكل أكثر تعقيداً أو أشد ضرراً من ذي قبل؛ وبخاصة لدى طائفة ما يطلق عليهم القراصنة الهواة Hackers منذ أن ابتكر ذلك النوع من الجريمة الشاب الأمريكي (كيفين ميتنيك) وللمعلومية هو أول قرصان للحاسبات توضع صورته ضمن المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (FPI).. نعود للضفة ذاتها لذلك فإن أغلب هؤلاء القراصنة من الشباب ممن يستهدفون الدخول إلى أنظمة الحاسبات غير المصرح لهم بالدخول إليها وكسر الحواجز الأمنية الموضوعة، وهم في الغالب من فئة الشباب الذين نطلق عليهم خطأ مسمى «الشطار»؛ وهؤلاء الشطار مثلهم مثل باقي البشر حيث دعتهم تلك الجائحة إلى التمركز وراء أجهزة الحاسب بهدف العمل أو الترفيه أو التواصل مع غيره، كما منهم من يحاول قضاء وقته الذي أتيح له في تطوير قدراته التقنية لممارسة هوايته في اقتحام خصوصية الآخرين؛ وهو الأمر الذي يجعله يضع قدماً إن لم ترشد هوايته على أول طريق الجريمة الإلكترونية، وهؤلاء هم شطار عالم ما بعد كورونا. والشاطر في اللغة لا يحمل ذات دلالة المعنى الذي اعتاد الآباء والمعلمين أن يطلقوه على هؤلاء الماهرين والمجتهدين من الأبناء والطالب؛ إنما هو الداهية صاحب الخبث الماكر، وفي ذلك يقول «الخليل بن أحمد الفراهيدي» الشاطر: هو الذي أعيى أهله خبثاً، كما يحكى لنا تاريخنا العربي عن طائفة الشطار والعيارين الذين ظهروا في القرن الثاني زمن الدولة العباسية والذين كانوا لا يعدون اللصوصية جريمة وإنما صنعة يمتهنونها للتغلب على فقرهم!؛ وهنا يكون مكمن الخطورة من وجه التشابه، فغالبية هؤلاء القراصنة الهواة كذلك في عالمنا التقني يعتقدون أيضاً أن ما يقومون به من اختراق لحسابات أو تعطيلها ليس نوعاً من أنواع اللصوصية والجريمة؛ بل هو نوع من أنواع الذكاء والاجتهاد. والآن ونحن نرى شطار عصرنا الآن يحاولون تطوير إمكاناتهم التقنية ليبدعوا في مجالات الجريمة الإلكترونية بعد ذلك؛ لابد لنا أن ندق ناقوس الخطر، وأن نكون على يقظة من أمرنا حتى لا نجد أنفسنا أمام سيل مستجد من الجرائم الإلكترونية لا مثيل لها، والتي قد نكون لا نعلم عنها شيئا حتى الآن مثلها في ذلك مثل جائحة فيروس كورونا الذي أصاب الأجساد ليصبح له مثيل أخر تقني قد نعجز أو نتأخر عن معالجته في الوقت المناسب؛ ليصبح هو الآخر جائحة إلكترونية قد تقضي على «الأخضر واليابس» في مجالات حياتنا التي أصبحت تعتمد بشكل أساسي على التقنية وتطبيقاتها؛ لذلك يجب على الجميع الالتفات إلى ذلك من الآن قبل فوات الأوان. احذروا شطار ما بعد كورونا، ولقد أعذر من أنذر.