التاريخ يتعاود في صيغ وكساءات مختلفة هذا ما ينتابك حين يحملك الذهول وأنت تتأمل ما يحصل في العالم جراء جائحة كورونا التي أدمت عيون العالم وأبكت الآلاف بل الملايين، كورونا التي فعلت بالبشرية ما لم تفعله الجوائح والأوبئة عبر التاريخ، جعلت العالم أسير جيش لا مرئي، وأوقفت العالم والعلم عند حدوده، وكذبت أساطير الورق الهوليوديين فلا ماك غايفر ولا جيمس بوند ولا توم كروز ولاغاندام ولا شويزينيغبر ولا وغيرهم الصورة الكاريزماتية سقطت بالضربة القاضية أمام كورونا، ومن يقول حريق كورونا لا يمكن أن تفوته مجازر الصين وأمريكا وإسبانيا وغيرهم. ويستوقفنا التاريخ هنا عند إيطاليا سليلة روما الإمبراطورية العظيمة، فإيطاليا التي بكت دماً مع الإمبراطور الروماني المخضرم نيرون والذي عاش بين 27 قبل الميلاد و 68 ميلادي نيرون حيث أشعل روما بنيران بقيت تحرق البلاد والعباد زهاء أسبوع وهو على تلة مرتفعة يعزف ويغني لأبيات للشاعر الإغريقي هوميروس حول حرق طروادة، تلك اللحظة التاريخية والمحنة الكبيرة التي عاشتها روما لم تكن هينة على الذاكرة الجماعية أن تنساها بل في كل أزمة تمر بها روما يستحضر الجميع هذه اللحظة حتى أنها صارت لازمة في مدونة أشعار الإيطاليين الجدد والرومانيين القدامى ومعضم شعراء العالم حتى صارت كناية عن المدينة التي تعاني ونيرون هو العابث المسبب للقهر والألم للمدينة فلقب نيكسون بنيرون ولقبت الفياتنام بروما. وفي 2020 تعود روما بعد سنوات من الرخاء والازدهار إلى محرقة أخرى، إنها محرقة كورونا ليس المتسبب فيها هذه المرة نيرون الإمبراطور المستهتر الذي نكل بأمه غربينيا وزوجته بوبيه ومعلميه الفيلسوف سينيك والقائد بوروس وعذب آلافاً مؤلفة وكل من يشعر للحظة أنه يفوقه في شيء أو قد يهدد مكانته بل المتسبب الآن في 2020 في حرق قلوب أمهات إيطاليا والعالم جائحة كورونا التي تعكس العالم المستهتر بالإنسان والعولمة المغيبة لإنسانيتها، إنها الحضارة المتغطرسة وسباق البحوث العلمية اللاقيمية والمعارك البحثية الجرثومية.. إنها ضحية حرب الإنسان ضد نفسه مثلما قال نعوم تشومسكي وهو يتحدث عن ما بعد كورونا والذي يراه أكثر هولاً من ألم كورونا. روما التي قهرت نيرون وبقيت شامخة بعد أن مات منتحراً في قمة اليأس بدأت عافيتها وأمجادها، والبشرية كذلك ستعود إلى زهوها وطربها وملاعبها وحياتها الصاخبة ومصانعها وحياتها الاجتماعية التي باعدت بينها كورونا... ولكن هل سيعتبر الإنسان بما جرى؟