لا يمكن بأي حال من الأحوال لأي مهتم بالفلسفة أوعلم النفس أو علم الاجتماع ألا تحضره صورة إدغار موران EDGAR MORIN الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي المعاصر الذي ينحدر من الصالونيك اليونانية ونحن بصدد محاورة ظاهرة كورونا وخاصة في كتابيه «إلى أين يسير العالم» و«هل نسير إلى الهاوية» إدغار موران وغيره من المفكرين لم يكونوا حاضرين بالغياب ولا غائبين بالحضور، وهم يوجهون معول الحفر في معرفة عصرهم وما يمكن أن يؤول إليه هذا القلق الفكري المستدام هذه الحيرة الفكرية التي لا تنهي سؤالا إلا بسؤال أكثر حرقة وأكثر جرأة، هذا النظر للمألوف بطرق غير مألوفة..فعلا ادغار موران هو معاصرنا، ولكنه قال ما قاله عن عصرنا من زمان.. ظاهرة كرونا أو كوفيد 19 أو ما شئت سمها ليست كائنا خارج هذا الكوكب وليست إشاعة انتشرت ويأتي وقت يطول حينا أو يقصر أحيانا لتكشف للبعض أو للجميع إنها واقع ونتيج نمط تفكير وعقلية نهمة تسودها الأرقام والحسابات والمصلحة لم تكن كورونا شبحا أو عنقاء يؤمن بها بعضهم كنتيج لعجزهم في تفسير ظواهر العالم، كورونا أنتجها الإنسان أنتجتها نظريته للمعرفة التي لا يمكن اختزالها في هذا المقام.. أنتجها النمط الاقتصادي العقيم من المعنى والقيم أنتجها تسابق بلا معنى لسلطة كونوية لا وعي لها.. كورونا لم تنتجها أفلام هوليود ولا الهند تنتظر كائنا خارقا ينتمي لجنس البشر وتحديدا من البلد المنتج للفيلم ليحرر العالم من هذا الشر.. كورونا واقع على البشرية أن تنظر إلى نفسها عندما تريد أن تفكر في مواجهته على غرار ما ذهب إليه موران في كتابه «السينما أو الرجل الخيالي» «Cinéma ou l›homme imaginaire لهذا يحضر إدغار موران بفكره في هذا الموضع من الحفر الفكري في هذه الظاهرة المخصوصة العالم يسير بخطى حثيثة إلى هاويته غياب القيم الموجهة للعلم وغياب القيم الإنسانية المشتركة كلها مخاطر أفرزت واقعها على البشرية أن تتعلم منه. موران الذي عايش الحرب العالمية وويلاتها وخرج منها مختلفا عن نفسه مغايرا لها يصرح أن سبب ويلات البشرية انخفاض منسوب القيم فيها، لذلك عده بعضهم متشائما حين صرح «حضارة الكهرباء لمْ تُضِئْ الظلام الداخلي» فعلى العالم أن يعيد حساباته بمجرد انجلاء الغيمة، وأن يقوم بالنقد الذاتي بشكل كوني نقدا للمسارات والمبادئ في قراءة إيبستيمية. العالم يحتاج إلى جلد الضمير يحتاج إلى إعادة رسم خارطة الأولويات وهو نفس ما قاله موران في كتابه النقد الذاتي Autocritique عندما أعلن استقالته من الحزب الشيوعي «العالم ما بعد الأزمة يختلف عما قبله» والعهدة له فلا يكفي البشرية أن تجد لقاحا للجائحة وإنما لقاحات عديدة للقيم الجمعية لذلك على مجموعة العشرين التي حلت محل الأممالمتحدة الغائب البارز في المشهد والمكتفية بدور المنظمة العالمية للصحة أن تتحمل مسؤولية تأسيس أسرة العالم وتشكيل قيم جمعية تحمي البشرية من نهم الإنسان المفرط بالأرقام والمادة.. إذ ليس بالمادة وحدها يحيا الإنسان.