العزلة ترمي بشباكها على بشريتنا المعتادة على التسكع والتربص.. هاقد قُدمت لك على طبق من زجاج كي ترتع داخلها وتُخرج أعمق شعور بداخلك، وتسأل نفسك السؤال الذي تهرب منه دائماً فتلجأ لصخب الحياة نفوراً من نفسك وملاذاً منها.. كي لا تجلس وتتعرف على وجدانيتك ومدى إنسانيتك وفطرتك، تتعرف على أول نقطة بداية تم من خلالها تفكيك ذاتك وإعادة تركيبك من جديد.. ما يمر به العالم من أزمة فيروس كورونا الجديد (COVID19) ومن قرار الحظر ومنع التجول، أصبح العالم حبيس منزله وحبيس ذاته وحبيس فكره.. عادت بهم هذه الأزمة إلى أحداث متشابهة مع تاريخ الأوبئة في القرون الماضية كالطاعون والكوليرا والجدري في أزمنة وأماكن مغايرة، التاريخ يعيد نفسه ويعيد توجهه وفكرته نحو هذا العالم، وكأنه يطلب منهم دقيقة صمت وتأمل للكون وإرسال طاقة اعتذار له بعد تلويثه ونكران أفضاله.. بعد قرون من الصخب الطاغي.. هناك منفعة ولطف خفي من ظهور هذا الوباء، حيث أعاد البضائع الكاسدة.. والعلاقات الخاملة، وأعاد تركيز العقول التائهة.. وأنار القلوب الوجلة الخائفة.. واجتمع أصحاب السقف الواحد تحت فكرة وشعور واحد، وامتزج العالم مع بعضه البعض، استشعر الكل مسوؤليته نحو أهله ووطنه، نحو النعم اليومية التي اعتاد عليها، وأدرك أصحاب المطامع الجشعة أن الخير الصادق يتواجد في الأزمات والمحن لا باستقلال الناس والتلاعب عليهم، وتيقنوا أن لا بقاء إلا للفطرة الإنسانية الخيرة والمعطاءة.. لنفكر ونتأمل ما آلت إليه البلاد والعباد من هذا الوباء الذي وازن فيه جميع الفصائل البشرية حيث لا فرق بينهم في شيء سوى في النجاة منه أو الموت به.. لا تتركوا هذه العزلة تنفر من أيديكم بلا حراك بلا اغتنام الوقت المتاح والثمين والتمسك به واستغلاله نحو تحقيق خطوة للأمام، استثمروها في أنفسكم وصحتكم وأهلكم وأولادكم ومن حولكم فلذة جني ثمارها ممتعة وصادقة ومختلفة..! ** **