يا نهار منتصف الليل... أنا وأنتِ والليل بيننا كان الليل أبًا حانيًا لطفولة ألفتنا كان الليل ساحرًا مثقفًا وموهوبًا علمنا فن كتابة أحلامنا ومخاوفنا وأحزاننا!! نكتب همسة قصيرة فتختزل بعيد مشاعرنا ثم نُعيد قرأتها معاً... نرددها... نتحاور حولها حتى تصل بنا إلى أدق معانيها ثم تفر الدمعة من زنزانة صبرنا فتمتلئ كؤوس أجفاننا بالدمع بيننا فنشربها حتى لا تخيفنا أو نغرق فيها... فتسكرنا ثم تضحكنا... أيامنا تكتب ونحن نقرأ لها معاً...! سيدتي... يا نهار منتصف الليل... أنا وأنتِ والليل بيننا كان الليل معلم أدب الأحزان... درسه الوحيد لنا مادة التعبير, وفي كل لقاء لنا فيه ومعه يعمل لنا اختبارًا في التعبير... يريد أن يختبر قدرتنا على البوح فيكون السؤال: عبِّر عن المشاعر التي في أعماقك...!!؟ وفي أوراق الإجابة نجد أن حروفنا وكلماتنا تصف قسمات وجه طفلة مُجهدة، هي الألفة في الأعماق، ترتدي قناع أكسجين الوهم الذي يبقينا معًا!!! العنوان... أنا وأنتِ البداية... أنا وأنتِ المضمون... أنا وأنتِ النهاية... أنا وأنتِ بسراب الحبر... باقون... باقون معًا!!! وعندما يصحح الليل المعلم أوراقنا سيجد آثار سحره فينا!! سيجد أعماقي مكتوبة في ورقتك ما بين خوف ودلال!! وسيقرأ أعماقك مكتوبة في ورقتي ما بين حنين وحنان!! وحين يسألنا الليل المعلم عن تشابه وتطابق إجاباتنا... سنقول له: إن أروع ما فينا أن كل واحد منا أسكن الآخر في عرين ذاكرة وقلب!!! سيدتي... يا نهار منتصف الليل... أنا وأنتِ والليل بيننا... كان الليل ملجأ لقلوبنا... فيه دفء لها، وقد عانت من التسكع بين الدروب، وعلى أرصفة شتاء أيامنا!!! خيمة الليل تحتوينا... تجمعنا طيلة ساعات الليل حتى يخبو نور شمعة صغيرة بيننا عند أطراف مهد من الحرير الأبيض... يتمدد فيه الفجر الرضيع ليودعنا!!! سيدتي... يا نهار منتصف الليل... أنا وأنت والليل بيننا كان ليلنا شاعراً كان ليلنا موسيقارًا يكتب الأغنية، يصوغ معانيها الهادئة من صخب مشاعرنا...!! يُحفظنا اللحن وقد سرقه منا.. من أنيننا وآهاتنا... من بكائنا وضحكاتنا... ومن خافِت همسنا وعتابنا... ثم نجد أنفسنا نغنيها لأنفسنا!! سيدتي... يا نهار منتصف الليل... أنا وأنتِ والليل بيننا... كان الليل الطبيب الوحيد لنا كلما اشتكينا له من جراح... «الليل الأبيض» يسألنا عن أعراض عافيتنا التي تؤلمنا...!! يضع سماعته على قلبي حيناً... وعلى قلبك حيناً؛ ليصغي إلى شفرة نبض قلوبنا...!! ثم يعود ليقول بفصاحة صمته وثرثرة نظراته إن الحب مصاب بفيروس الحنين الصعب هو الوجع الذي يؤلمكم!!! وسيكبر هذا الألم ويزداد؛ ليكون أقسى مواجعكم ليل نهار!! أنا أهبكم في هذا الليل سريراً أبيض، كل واحد منكم يتوسد ساعد الآخر، وبينكم حكايات تفاصيلها من أفكاركم البسيطة، وتفكيركم الصعب... وتغفون وتحلمون بلا سُهد ولا يأس!!! لأن القرب هو الترياق الوحيد للدغات البُعد والحواجز والمسافات!!! أنا أملك في صيدلية الليل قليلاً منه (كبسولة اللحظة)، تأخذون اللحظات كبسولة كبسولة... وحين تشرق الشمس يذوب هذا الدواء في قواريري وفي شرايينكم وأوردتكم!!! وعلى عتمة الفراق عند عتبة الصباح تصحون على أنين مواجعكم... وتعاودكم نوبة حنين صعب تنتاب ألفتكم!! سيدتي... يا سيدتي أين ذلك الليل...؟ اليوم أنا وأنتِ ولا ليل بيننا! ليلنا تخلى عنا... وعن ألفتنا!! ليلنا الحاني مارس القسوة علينا... جمع حطام أحلامنا، وألبوم صور أمانينا... ورسائلنا وأوراقنا والورد النابت على أغلفة هدايانا. الليل جمع كل أشيائنا، ثم أشعل النار فيها حتى ترمدت، ومن بعدها تيتمنا!!! أنا وأنتِ أيتام الليل...!!! الفاتحة على ليل كان لنا وبيننا!!! ** ** - عبد العزيز حمد الجطيلي E-mail: [email protected] @aljetaily: twitter