يحسب لنادي جدة الأدبي في تنظيمه لملتقى قراءة النص السادس عشر المعني بتحولات الخطاب الأدبي السعودي في الألفية الثالثة؛ محاولته تسليط الضوء على الحالة الإبداعية السعودية في مناشطها المختلفة نثراً وشعراً وكذلك تكريمه لرواد الحركة الثقافية ممثلين في الدكتور عبدالله الغذامي، والأكثر من ذلك جمعه لكوكبة من المثقفين والأدباء والمفكرين تحت سقف واحد في أيام معدودات، كما يشكر النادي على حسن التنظيم من حيث اختياره لموقع الجلسات ورعايتها إعلامياً وكرم الضيافة الذي بات علامة بارزة يتحدث الجميع عنها ولا نغفل في هذا دور جامعة الأعمال والتكنولوجيا التي تكفلت بالرعاية، كذلك لا يفوتنا شكر الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي رئيس النادي الأدبي وفريقه المتفاني الذين كانوا بالتأكيد سبباً بعد الله فيما تحقق من نجاح. ولكن.. كل ذلك لن يلهينا بالطبع عن الهدف الأساس لهذا الملتقى ومدى تحقق الغاية منه على أرض الواقع والذي لا يمكن قياس النجاح الحقيقي بمعزل عنه، أمرٌ يدفعنا للإدلاء بآرائنا بتجرد بعيداً عن المجاملات فالنقد الصادق يفضي لتلافي السلبيات وتعزيز الإيجابيات والارتقاء بنتاجنا، خاصة ونحن نتحدث عن جهد بشري يعتريه النقص من كافة جوانبه. تمنيت في البداية لو أن القاعة لم تُصنف الحضور تبعاً لمكان جلوسهم ما بين مقاعد طرفية مهمشة وجلسة نصف دائرية تقابل المنصة لها كل الحظوة وبالتالي انحصرت المشاركات في الغالب الأعم على أصحاب المنصة ومن يواجهونهم وكانوا يتداولون الجلوس فيما بينهم خلال الجلسات المتوالية أيام الملتقى، ما جعل الحوار عديم الجدوى لا يخلو من مجاملات وأحاديث ودية تغلف الحوارات التنظيرية وتم تغييب الصوت الآخر كلية، فالمهمش في مقعده الطرفي خفت صوته تبعاً لذلك بينما كان الأجدى الجلوس إلى طاولة دائرية واقتصار المشاركة على أصحابها النخبويين أو الاكتفاء بمنصة ومقاعد متشابهة لباقي الحضور كما يحدث في جميع الملتقيات العالمية المفتوحة، ما يمنح الجميع فرصة المشاركة على قدم المساواة ويبتعد عن التصنيف الأكاديمي أو الشرفي، فالتكريم حدث في الليلة السابقة ويحدث أيضاً في منح الدروع بمرافقة إحدى الشخصيات المكرمة بعد نهاية كل حلقة وأظنه كافياً جداً. الأمر الآخر والذي أراه غاية في الأهمية، كان منح المتحدثين الرئيسيين زمناً يقدر بعشر دقائق بينما الأوراق كتب أغلبها ليُلقى في نصف ساعة، ما جعلنا نستمع لدراسات مبتورة تقرأ على عجل وتخلو في معظمها من فائدة مكتملة، إذ إن الباحث يفاجأ بقصاصة وابتسامة تخرسه في منتصف الطريق ويتم انتقال «المايك» لمتحدث آخر بينما نعبث نحن المهمشين بهواتفنا الخلوية، وكان الأجدى أن يُوصى الباحثين بمواءمة محتوى أوراقهم مع الزمن المحدد، ويمكن التحقق من مدى التزامهم بهذا الشرط عند إجازة الأوراق، فيكون التجاوز في حده الأدنى، دقيقة أو دقيقتين وهو ما يمكن الصمت حياله في مقابل تحقق الفائدة الأكبر بعرض كامل الورقة والنقاش الموضوعي حولها بدل أن يكون رد الباحث على كل استفسار بأنه ذكَرَ ذلك في باقي الورقة التي لم يتسنَ له عرضها وهو يبتسم في وجه مدير الجلسة، ولعل ذلك ما أفسد الجلسات وقلل من فائدتها، بل أضفى عليها شيئاً من الطرافة القاتلة. بقي أن أختم بالشيء المهم جداً والذي أصاب الملتقى في مقتل وهو تجاهل الأوراق المقدمة لأعمال حديثة وإصدارات قيمة لكتاب سعوديين جدد وركونها لأعمال أدبية قديمة أشبعت تدقيقاً وتمحيصاً وانشغالها بأسماء استهلكت ولم يعد مجدياً الحديث عنها في الألفية الثالثة ما جعل الأوراق في مجملها تهدف لاستعراض عضلات الباحث وقدرته على رصف الكلمات والتباهي بإمكاناته النقدية دون أي فائدة تذكر للمتلقي الباحث عن المعرفة أو حتى للحركة الأدبية السعودية، فالنقاد - كما كان واضحاً - كانوا في مجملهم معزولين تماماً عن النشاط الثقافي والأدبي والحراك الكبير في السنوات الأخيرة، والذي حفل بعدد هائل من الإصدارات كانت على الأقل تستحق مطالعتها ونقدها وتبين مدى جودتها وتبني الجيد منها حتى تكون منطلقاً للحديث عن تحولات الخطاب الأدبي السعودي في الألفية الثالثة والذي كان عنواناً رئيساً للملتقى يفترض أن تندرج تحته كل الأوراق المقدمة، وهنا أحمّل المسؤولية للجنة المعنية بإجازة الأوراق والتي أظنها ركنت لأسماء الباحثين والشهادات التي تزينها أكثر من اهتمامها بجودة المادة المكتوبة، ما جعل تعاطينا مع الملتقى كمحصلة نهائية يذهب بنا باتجاه عبارة سابقة لطالما تصدرت قرارات الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الزمن القديم عندما كانت تقتصر في فصل الخصومات بين الأندية على قبول الشكوى شكلياً ورفضها موضوعياً. ** **