الحمد لله وحده, والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده - وبعد يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156 سورة البقرة)، وقال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34سورة الأعراف)، وقال تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (11 سورة فاطر). بقلوب يملؤها اليقين راضية بالقدر المحترم - لقد انتقلت إلى جوار ربها فجر يوم الأربعاء 3-2-1414ه الموافق 2-10-2019م والدة (طارق العبد الواحد) لطيفة بنت ناصر بن إبراهيم العثيم -رحمها الله- بمستشفى الملك خَالِد الجامعي بالرِّياض، حيث إن الموت حق مشترك بين العباد كلهم, حيث كتبه المولى عزَّ وجلَّ ذكره على كل كائن حي بدون استثناء كما قال الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه العظيم: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، ولكن من طبيعة البشر عامَّة أنهم يتألمون كثيراً ويتأثرون من أيِّ تيارات تحمل بين طياتها وجنياتها من شتَّى أنواع المنغصات من حزن وألم وعناء وتعب ونكد حينما يفاجؤون بفقد قريب أو عزيز أو صديق... وهكذا فهذه غرائز أودعها رب العباد في نفوس البشر وفطرهم عليها. وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، فهذه سنّة الله في خلقه وأن الإنسان لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً وأن حلول أجله قادم لا محالة فهو في هذه الحياة الدّنيا عابر سبيل. كما قال الشّاعر الحكيم: وفي أثناء تبادل أطراف الحديث مع كل من الأستاذين الفاضلين الأستاذ طارق بن عبدالرَّحمن العبد الواحد والأستاذ خالد بن صَالح العثيم -وفقهما الله - لفترة من الوقت عن سيرة والدتهم الغالية ومآثرها الكبيرة وهم يحبسون دموع الحزن بصعوبة بالغة توقفا برهة عن الحديث فقال لي لقد زرعت فينا كل خصال الخير والمحبة والمودَّة وصلة الرحم فهي كأشعَّة الشّمس التي رحلت عنا وبقي ضياؤها كما قال الشّاعر الحكيم: فقد أدلى بدلوه (أبو عبدالرَّحمن) عن والدته قائلاً فهي مشاعر لو أدليت كثيراً سيطيل بنا المقام - وقد أبدى استعداده التام لي بتقديم أيه معلومة أريدها وكانت كلماته وعباراته ومشاعره تفيض صدقاً وثقة وإخلاصاً كان يرتجل سيرتها بعد تحضيرها تخضيراً فائقاً وكان هادئاً في سردهاً يأسرك بهدوء عجيب واثقاً مما يقول من معلومات بكل تفاصيلها وبكل دقَّة حريصاً على تحليلها بالشّواهد وخاصَّة بالآيات الكريمة والأحاديث النَّبويَّة الشّريفة فقد إعطاني انطباعاً كاملاً - أن أتحدث بكل إريحية عن هذه المرأة الفاضلة فالحديث عنها يحتاج مِّنَّا إلى صفحات عدة لكي نعطيها حقها من الإنصاف والعدل والمساواة جرَّاء ما قامت به طيلة حياتها الزَّوجية والعمليَّة من أعمال جسام لمحيطها الأسري فلا أحد يستطيع من أفراد أسرتها أو أقاربها أو أقرانها أن يتجاهل أعمالها وأفعالها وكرمها المنقطع النظير، فمنزلها عامر بالحب والاحترام والضّيافة طيلة الأسبوع وكل مناسبة سنوية فإنها بفضل من الله وكرمه تمتلك مهارة القيادة منذ نعومة أظفارها فقد صقلتها الحياة على مر السِّنين حتى ظهرت على السّطح جليَّة فقد رسمت تلك الإنسانة لنفسها طريقاً في هذه الحياة وظلت تسير فيه على هدى وبصيرة لا تحيد عن ذلك الطريق أبداً وتحاول أن ترتقي إلى المستوى الإسلامي الراقي في الثّبات على المبدأ والاستقامة على المنهج القويم الَّذي رسمه نبي الرحّمة مُحمَّد صلوات الله وسلامه عليه. كانت -رحمها الله- شمعة ساطعة في منزلها وملتقى لأبنائها وبناتها وأقاربها ومحبيها حتى أصبحت لهم ملاذاً -بعد الله- يلجؤون إليها في كل وقت وحين حريصة كل الحرص على أقاربها وأرحامها وجيرانها وإكرام ضيوفها تحرص كل الحرص على إدخال الفرح والسّرور على من يلتقي بها فهي محبوبة لدى جُلسائها ومعارفها تزرع في قلوبهم محبتها. كانت علاقتها مع أختها علاقة قوية مبنية على تبادل الاحترام والتقدير والمحبة والمودَّة والتّعاون والتكاتف والتآلف فيما بينهنَّ كانت -رحمها الله- لطيفة رقيقة صبورة لا تسمع منها كلمة نابية أو جارحة لقريب أو بعيد فهي متواضعة ومتسامحة بعيدة كل البعد عن أبجديات الذّم من حقد أو حسد أو كراهية أو بغضاء. تمتاز بالصّمت وسعة الصّدر. كانت -رحمها الله- سديدة الرأي حكيمة يلجأ لها من هو أكبر منها سناً وأصغر منها سناً لحل مشاكلهم الأسريَّة والاجتماعيَّة، صارمة في قول الحق حتى لأقرب النَّاس لها. لقد ارتحلت عن أنظارهم فقد. فهي تسكن في قلوبهم ونفوسهم وأرواحهم وإنه لمن المسلَّم به أن الدّنيا الفانية سريعة الزّوال ولكنها خرجت من هذه الدّنيا الفانية خروج الأتقياء الصّالحين بعد مشيئة الرَّحمن. وقد تحدث أخي الكريم (أبو صالح) خالد العثيم بما يجول بخاطره قائلاً لقد خانتني في مثل هذا الموقف الحزين الكلمات والعبارات فما أعظمها من مفقودة إنها خالتي الغالية والدة طارق العبد الواحد. لقد طافت بالنفس مشاعر متناقضة وأصبح الإنسان بين مصدق ومكذب نبأ وفاة خالتي الكريمة لقد رحلت عن دينانا الفانية فلن نراه بعد اليوم فهي تحيي المجلس بروحها اللطيفة وتؤنس الجلاس بوجهها المتهلّل. اللهم اغفر لها وارحمها وعافها واعف عنها وأكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقّها من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس وأبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خير من أهلها وزوجاً خيراً من زوجها وأدخلها الجنَّة وأعذها من عذاب القبر ومن عذاب النّار وألهم أبناءها وبناتها وأسرتها الصبر والسلوان. ** **