عندما نتحدث عن البناء الفكري للمتعلمين فإننا لا نعني بذلك نقل المعارف والمعلومات والخبرات إلى المتعلم فحسب إنما نقول إن عملية التعلم لم تبدأ بعد عند هذه النقطة وإنما تبدأ بعدها، فالتعلم هو ما يحدث بعد وصول المعلومات إلى المتعلم الذي يقوم بصناعة المعنى الشخصي الذاتي الناتج عن المعرفة. إذاً كيف نُكون بناء معرفياً متيناً لدى الطلبة؟ إن بناء المعرفة هو إعادة تنظيم تصاعدي للعمليات العقلية الناتجة عن النضج الحيوي والخبرات البيئية لذا ينبغي ربط مناهج التعليم بخبرات المتعلمين التي تتوافق وحياتهم في بيوتهم وبيئاتهم العائلية. لو رجعنا للعلماء الذين ركزوا على بناء المعرفة بشكل منظم ودقيق يتبادر إلى الذهن جان بياجيه (1986 - 1980) وسبقه كذلك العالم بستالوزي (1746 - 1827) حيث أتى بنتائج مشابهة لما جاء به العالم بياجيه وذلك قبل أكثر من قرن، إذ أكد على ضرورة اعتماد الطرق التربوية على التطور الطبيعي للطفل وعلى مشاعره وأحاسيسه، وهو بذلك أكد أهمية الحواس كأدوات لبناء المعرفة والتعلم، هذه الأفكار المتعددة نُظمت في نظرية متكاملة وشاملة - شكلت فيما بعد الأسس الحديثة لعلم نفس النمو - على يد العالم جان بياجيه، إذ قام بتوحيد الفلسفة وعلم النفس لتحويل انتباه الناس إلى الاهتمام بالتفكير والذكاء لدى الأطفال وفاتحاً الطريق إلى نظرة منظمة جديدة في التعلم وعلم النفس. إن البناء المعرفي البيداغوجي للطلبة يعتمد على ثلاثة جوانب رئيسية وهي: النضج البيولوجي، والتفاعل مع البيئة الطبيعية، والتفاعل مع البيئة الاجتماعية، هذه الجوانب تؤدي إلى نوع من التوازن في النمو المعرفي (Equilibration). وأنا في هذه المقالة لا أختلف مع باقي النظريات في التعلم مثل النظرية السلوكية، والنظرية المعرفية حيث إن هذه النظريات السابقة بالإضافة للنظرية البنائية تقدم مبادئ أساسية لفهم الميكانيزمات والطرق التي يتعلم بها الطلبة، وعندما نعمل على المقارنة بين هذه النظريات، نجد أن كلاً منها قد تكمل الأخرى أو قد تتناسب مع نوع معين من المتعلمين، أو بيئة تعلم معينة بمعنى أننا يمكن أن نقوم بعملية دمج كل هذه النظريات أو بعضها أثناء التخطيط للدروس وخلال الأنشطة الصفية بما يخدم عملية التعلم لدى الطلاب. وفي ختام هذه المقالة أجد أن النظرية البنائية تكتسب أهميتها لدى المعلم خاصة والعملية التعليمية ككل؛ لتركيزها على العمليات العقلية وما يحدث داخل عقل المتعلم لاكتساب المعرفة، وتنظيمها، ودمجها في بنيته المعرفية وهذا يساعد المعلم على التعرف على كيفية نمو وتغير السلوك عند المتعلمين وكذلك فهم أساليب تفكيرهم وطرق معرفتهم للمحيط ومعرفة كيف يتعلم طلبته؟ وماذا يتعلمون؟ وكيف يستخدمون ما تعلموه؟ ** ** - د. رفعه مبارك دخيل الله