استبشر الكثير بخبر تصريح وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عن قرب إصدار لائحة تنفيذية جديدة لوحدات الحماية الاجتماعية الأسرية ودور رعاية الفتيات تتمثل في منع إجبار المرأة على الإقامة فيها، سواء للمعنفة أو المفرج عنها بعد انتهاء محكوميتها، كخطوة إصلاحية متوقعة مع حزمة الإصلاحات والتشريعات التي تعزز من مكانة المرأة، وتراعي حقوقها وكرامتها. لكن الفرحة لم تدم سوى سويعات لتنفي الوزارة الخبر، وتؤكد أن دور الضيافة لا تفرض الإقامة الجبرية على من انتهت محكوميتها في حال رفض ولي الأمر استلامها! في الحقيقة الواقع ينفي ما نشرته الوزارة من نفي وتكذيب لقرب صدور اللائحة التنفيذية الجديدة، بالإضافة لتأكيد عضوتي مجلس الشورى د. لطيفة الشعلان ود. موضي الخلف إلى أن الوضع ما زال قائما، وما زالت النساء المعنفات والمفرج عنهن يعانين، ولا يملكن الخيار، فليس أمامهن سوى الإقامة الجبرية لمن لا تجد من يستلمها. في الحقيقة أن نفي النفي هو إثبات في قوانين الفلسفة، حيث يكمل النفي طريقه، في رحاب الجدل والتفاعل والصراع، فالوزارة تنفي والواقع ينفي، ويثبت ما تحاول أن تنكره. النفي الوزاري للواقع لا أَجِد له تفسيرا سوى أن المسؤولين يعيشون في عالم منفصل عن أرض الواقع، الذي لا يرونه ولا يشعرون بِه، أو ربما أن لوحدات الحماية الاجتماعية الأسرية ودور رعاية الفتيات صلاحيات تفوق صلاحيات الوزارة، وتنتهج سياسة الإجبار وتمنع النساء والفتيات من حقهن في الحرية والاستقلالية بعد انقضاء محكوميتهن، وهذا مخالف للأنظمة التي أوضحتها الوزارة. تجاهل الواقع الذي يتمثل في مواصلة احتجاز حرية المفرج عنهن والمعنفات، واشتراط ولي الأمر للخروج من وحدات الحماية الاجتماعية، هو للأسف عنف مشرع يحتاج إلى اعتراف بالواقع وقرار نافذ يعطي للمرأة حقوقها المسلوبة في الاختيار والعيش بكرامة واستقلالية، بعيدا عن دور الرعاية أو الضيافة. نفي الوزارة وتكذيب الواقع هو في حقيقته، خسارة كبرى وضعف في الإحاطة بمعاناة شريحة من النساء وتجاهل لأصوات الناشطين والضحايا من إجبار ومنع النساء من الاستقلال، وممارسة حقهن في العيش الكريم، في الحقيقة الوزارة بنفيها فوتت فرصة عظيمة في متابعة ملف حقوقي يمس شريحة من بنات الوطن، خصوصا مع تزامن هذه الخطوة المنتظرة منذ زمن طويل مع شهر نوفمبر الذي يحتفي فيه العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، لرفع الوعي العام بأضرار العنف بكافة أشكاله على النساء والفتيات، والانتهاكات التي تُمارس على المرأة، مما يعمق من استمرار التباين في المساواة بالحقوق بين الرجل والمرأة. ارتفع سقف التوقعات في ملف المرأة الحقوقي، وكنّا ننتظر من الوزارة الكثير فيما يتعلق بالمعنفات والمفرج عنهن في تفعيل القرار الذي أوضحت الوزارة أنه مفعل ولا حاجة بها للائحة تنفيذية جديدة، عن طريق نشر الإحصائيات لعدد المستفيدات من نظام الاختيار بين البقاء أو المغادرة من دور الرعاية الاجتماعية. الأحرى أن تواصل التنمية الاجتماعية الجهود لخدمة ورعاية أعداد المعنفات والمفرج عنهم بعد الخروج من دور الرعاية، والعمل على تلبية احتياجات النساء والفتيات المختلفة، فالرعاية المفترضة مثلا تتطلب علاج الضحايا من الصدمات، والمساعدة في التدريب، وإيجاد فرص العمل، والمساعدة في البحث عن المسكن الآمن والمناسب، لاحتياجات المستفيدات من خدمات دور الضيافة.