أن تكون الثقافة جزءًا من التعليم له أهمية بالغة في نمو شخصية الطالب، فالطالب في هذه المرحلة هو بذرة يجنيها المجتمع مستقبلاً. إن الفنون الموسيقية والتشكيلية والمسرح وكذلك الرياضية لها دور في تشكيل شخصية الطفل، فهي تكسبه مهارات تواصلية عالية، بالإضافة إلى وعي أكبر بتاريخ الفنون وعلاقتها بالحضارات الأخرى، فيصبح أكثر انفتاحًا للثقافات المختلفة عنه. تعليم الفنون يختلف نوعًا ما عن تعليم العلوم الحديثة، إذ يوجد فيها مساحة أقل للتلقي، ومساحة أوسع للانطباعات الذاتية ونمو الرأي الفردي فيها، ففيها مجال خصب لاتساع خيال الطالب وآراءه ومقدرته على النقد والتبرير لما يراه، مما يمنح شخصيته قدرة عالية على الثقة والاعتزاز بالذات، بالإضافة إلى مهارات تواصلية خصبة. وفي هذا السياق سأذكر كيف تدرس الفنون والرياضة في ألمانيا من خلال المراحل التعليمية. يوجد في كل منطقة مدارس متخصصة، كمدرسة الموسيقى ومدرسة الرياضة ومدرسة الفنون التشكيلية. تتبع المدرسة المناهج التعليمية المعتمدة للولاية التي تتواجد بها، بالإضافة إلى حصص يومية مكثفة لذات تخصص المدرسة، تزيد عن خمس ساعات أسبوعياً. فالمدرسة الرياضية مثلا يبتدئ الطالب في المرحلة الابتدائية برياضات مختلفة كل يوم، من سباحة وكرة قدم وكرة سلة وتسلق وألعاب رياضية أخرى، كلما تقدم الطالب دراسيًا كلما زاد تركيزه على مجال رياضي واحد، مما يؤهله للترشح للأولمبياد الرياضي للشباب. أما بالنسبة للمدرسة الموسيقية، فالطالب أيضا ملتزم بالمنهج المقرر بالإضافة إلى الساعات الموسيقية الإضافية، والتي عليه أن يتعلم من خلالها ثلاثة جوانب موسيقية هامة: التعلم على آلة عزف منفرد (سولو)، والتعلم على آلة عزف جماعي (اوركسترا)، بالإضافة إلى غناء الكورال. ليس من السهل القبول في المدارس المتخصصة الحكومية، وعلى الطالب أن يكون جادًا ومثابرًا في دراسته التخصصية وإلا سيستبعد إلى مدرسة عامة، وغالب المدارس الألمانية الحكومية العامة لا يوجد بها إلا ساعتين أسبوعيًا للرياضة والفنون، وليس من اعتبار لتحصيل الدرجات فيها، كما في التخصصية. إن حصول الطالب على شهادة تخصصية مع الثانوية في إحدى هذه المجالات، تسهل من قبوله لاحقًا لإكمال مسيرته وشغفه في الجامعة أو إحدى المعاهد المتخصصة، أو قد يستثمر ذلك فيما بعد بوظيفة جانبية حينما يختار تخصصًا آخر. إننا في عصر تمتزج به العلوم مع الفنون، حتى يبدو أنهما قد يتكاملان أو يتداخلان بشكل ما، هذا التداخل يفيد أننا بحاجة ماسة أن تكون الفنون جزءًا هامًا وفعالا في التعليم. ** **