ما بين مرارة الفقد وأمل العودة نقف في حيرة، أيهما أمرّ فقد الميت أم خسارة نهائية لمن هم على قيد الحياة؟ في حال الوفاة تكون الصدمة الكبرى والفاجعة العظيمة، وكأي مصيبة تبدأ كبيرة ثم تضمر وقد تتلاشى أو نتعايش معها بالسلوان. بينما يبقى الأمل في لقاء الأحياء هاجسا مؤرقا يحول دون تعايشنا مع فقدانهم. لن أخوض في فلسفة الموت التي أعيت من حاول سبر أغوارها فعاد خاويًا باستنتاجات تحتمل الخطأ أكثر من الصواب. لا أحاول التقليل من شأن فاجعة الموت حين أقارنها بفراق الأحياء إنما هو تساؤل هل الأمل باللقاء خيارٌ فضفاض يعطينا مساحة من الراحة أم أن الانتظار سمٌ زعاف؟ يمنحنا التسليم باستحالة عودة الموتى سلامًا مع الحقيقة وتعايشًا معها، ونستسلم بذلك للقَدر ونبدأ بالعيش وفقًا لقانون الغياب الذي يذعن له عقلنا الباطن وقلة هم من يبقون في حالة من الرفض لهذه الحقيقة سنوات طويلة وهنا يُختبر الإيمان. وهذا لا يعني بأن من يرفض هذا الغياب هو أقل إيمانًا بالقدر من المُسلِّم به، فقياس درجة الإيمان بيد الخالق لا المخلوق، لكن مستوى صلابة البشر وعمق تجاربهم يتفاوت من شخصٍ لآخر. كما أن أنماط الشخصيات كذلك تلعب دورًا هامًا في مدى مرونة الاستيعاب. لهذا نحتاج دومًا لتعزيز قوة إيماننا بالقدر وتقبل كل التراتيب الإلهية بنفسٍ راضية فكل البشر الذين يمرون في حياتنا هم بمثابة الرسل ما أن ينتهي دورهم سيرحلون سواء أكان رحيلًا أبديًا أم أنهم سينتقلون لخط حياة آخر لا نرافقهم فيه. ونستطيع مداواة ذلك بالتمرين على عدم التعلق، فهو مُسبب النكسة. حين نتعلق بشيء أو بأحد فإننا نميت في داخلنا هاجس فقدانه ونتعامل معه بمبدأ الأبدية. بينما الأبدية هي المستحيل الوحيد في هذه الحياة. فكم من أبدٍ تبدد وتلاشى بعد سويعات وكنا نظنه دهرًا. ** ** - حنان القعود