ينحى الروائي والكاتب الكويتي عادل الرشيدي في معظم أعماله السردية منحى قصصيا تاريخيا , يرتكز على محورين متوازيين لا ينفصلان عن بعضهما: - الأول : المحور التاريخي , وهذا المحور قوامه (التاريخ ) بمفهومه العلمي, سواء كان تاريخا موثقا أو (مدونا) أو كان تاريخا شفهيا, يعتمد على ما تناقله الرواة والاخباريون فيما بينهم من جيل إلى آخر. ويدخل تحت هذا أيضاً, الأسطورة , والحكاية الشعبية, حين تتحول بعض الشخصيات التاريخية الحقيقية ذات الصفات البطولية أو القدرات الخارقة إلى رموز أسطورية, يستثمرها (الحكواتيون) لنسج الحكايات المثيرة, والقصص الماتعة! - الثاني : المحور الأدبي المؤرخ وتقنياته, والمقصود به طريقة تناول الكاتب للحوادث التاريخية, وأسلوبه في طرحها ومعالجتها , ومهارته في استحضار الشخصية التاريخية , أيا كانت طبيعتها وزمانها ومكانها , وكيفية رسمها أو تخيلها (دراميا) ومن ثم إعادة صياغتها صياغة فنية , لتكون عنصرا فاعلا له أثره في الحدث السردي , لا يشترط مطابقته للحدث التاريخي الواقعي مطابقة تامة, وإنما قد يختلف عنه بعض الشيء, وذلك لتغليب الروح الأدبية أو الخيال في النص الأدبي على حقيقة الحادثة التاريخية المجردة. وهنا تكمن مهارة الكاتب , وخاصة في مجال التعامل مع (الرواية التاريخية) ومدى قدرته على تناول أي شخصية تاريخية , والموازنة بين الواقعي والمتخيل أو (الأصل والصورة) بالقدر الذي لا يخل بأي منهما , أو يضحي بأحدهما على حساب الآخر. ولا يمكن تحقيق تلازم هذين المحورين (التاريخي والأدبي) في عمل سردي واحد إلا أن يكون الكاتب - كأديب - على علم ودراية كافية بالشخصيات التاريخية محل اهتمامه وتفاصيلها وحيثياتها, وإلا كان ما يكتبه ضربا من العبث المشوه لتلك الشخصيات , بل إجحافا وجناية على التاريخ نفسه! ومن خلال هذا العمل الموجود بين أيدينا الآن, يحاول عادل الرشيدي توظيف معرفته التاريخية في (ركبان الموت) ل (سردنة) قصة حرب (داحس والغبراء)، تلك الحرب المعروفة وإحدى أشهر حروب العرب في العصر الجاهلي. أي تناول تلك الحادثة التاريخية برؤية (سردية) جديدة, ولغة أدبية وأسلوب فني يحاور تلك الحادثة وشخصياتها , ويستعرض تفاصيلها , مستعينا - في بعض صوره - بتقنيات (مسرحية) تساهم في تجسيد الحدث التاريخي ورسم شخوصه للقارئ , وكأنه يحدث أمامه على خشبة مسرح كبير مفتوح أو مكشوف في العراء, كالسيناريو والكتابة التفصيلية للمشاهد, والحوار بنوعيه : الأحادي أو الداخلي ( المونولوج) والخارجي المشترك بين شخصين أو أكثر( الديالوج). ولذلك كان من الواضح هنا في (ركبان الموت) تداخل فن ( الرواية) بفن (المسرح) لينتج عن هذا التداخل ما يطلق عليه نقاد الأدب - كمصطلح - اسم (المَسرِواية) . وهو مصطلح أو اسم مركب , تمت صياغته على طريقة (النحت) من فني (الرواية والمسرحية) في قالب واحد. انه عمل يلتقي مع الرواية في واحدة من أبرز سماتها ألا وهو (السرد) وبنيته المرتكزة على لغة مسهبة في حيثياتها , بالإضافة إلى احتفاظه ببعض عناصر الرواية , والتي كان من أبرزها في هذا العمل توظيف دور (الراوي) وهو ذلك الشاب العربي المدعو (قيس عيلان) لسرد قصة (حرب داحس والغبراء ) ومجرياتها وتبعاتها في حضرة أحد وجهاء العرب وجلسائه ببغداد في العصر الأموي, حيث يتطرق هذا الشاب لذكر تفاصيل تاريخية كثيرة لهذه الحرب لم يتطرق إليها كتاب التاريخ, أو كانت بعيدة عن متناولهم. بينما يلتقي مع (المسرح) بطريقة (مسرحة) بعض تلك الحوادث أو الوقائع التاريخية التي تتخلل المسار السردي للقصة , لتحيلها - أحيانا - إلى (مشاهد مسرحية) يختفي خلالها الراوي تماما , ليكون (التكنيك المسرحي) وفنياته البديل الكلي عنه. وقد كان الكاتب موفقا في هذا العمل, حيث تمكن باقتدار من استلهام قصة (داحس والغبراء) وصياغتها في قالب روائي مسرحي , يراوح بين فني السرد والمسرح بطريقة أقل ما يمكن أن نقوله عنها إنها رائعة! ** **