سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رابطة العالم الإسلامي تطلق من كولومبو قمة وئام الأديان.. والقيادة السريلانكية تثمِّن المبادرة بحضور الرئيس السريلانكي ومشاركة الفاتيكان وألفَيْ شخصية عالمية
أطلقت رابطة العالم الإسلامي في العاصمة السريلانكية كولومبو أعمال قمة «وئام الأديان»، بحضور فخامة الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسنا، ومشاركة الفاتيكان، وعدد من القيادات الدينية من الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية كافة، إضافة إلى عدد من الشخصيات العالمية، تجاوز الألفَي شخصية من علماء الأديان والسياسيين والمفكرين والإعلاميين. وقد بدأ حفل افتتاح القمة بالنشيد الوطني السريلانكي، وفيلم عن جمهورية سريلانكا، وجهود رابطة العالم الإسلامي حول العالم في تعزيز الوئام والسلام، وتقديم الأعمال الإنسانية للجميع عن طريق هيئتها العالمية للإغاثة والرعاية والتنمية. كما اشتمل حفل الافتتاح على أوبريت وعروض ثقافية متعددة، عكست أهمية الوئام والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات والإثنيات. وقد ألقى فخامة الرئيس السريلانكي كلمته الافتتاحية شاكرًا لرابطة العالم الإسلامي عقد المؤتمر وتبرُّع الرابطة بخمسة ملايين دولار لصالح صندوق دعم أسر ضحايا الأعمال الإرهابية والمصابين. وأضاف فخامته: لم يكن المسيحيون وحدهم من تضرر من العمليات الإرهابية. ويهمنا الآن أن تتوقف لغة الكراهية بين أطياف الشعب. سريلانكا على مر العصور كانت تنعم بأمان وسلام ووئام بين المواطنين الذين ينتمون لأديان مختلفة. والتفجيرات الإرهابية حادث جبان وآثم، والأمة السريلانكية تضررت منها، والمنظمة الإرهابية التي نفذت هذه الجريمة لا تؤمن بالحوار، ولا تمثل الإسلام. المسلمون عانوا بعد التفجيرات بسبب أن المعتدين ينسبون أنفسهم للمسلمين. والسلام خيار العقلاء، وهو خيار سهل. وأنا أؤمن أن هذه القمة ستنشر رسالة السلام والوئام والتعايش بين الناس في جمهورية سريلانكا. وختم فخامته كلمته بقوله: يسرنا تقديم الوسام الأعلى بسريلانكا لمعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لدوره في تعزيز السلام بين الأديان. ويسرنا أن يكون سفيرًا دائمًا للسلام. كما ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمته في القمة قائلاً: يسعدني أن أكون في هذا الجمع المتميز في سياق هذه القمة التاريخية التي جاءت على خلفية فاجعة مؤلمة، تعرضت لها جمهورية سيريلانكا هذا العام على يد الغدر الإرهابي بإجرام مروع، طال دورًا للعبادة وغيرها. وقبل ذلك، وفي العام نفسه، تعرضت مدينة كرايستشرش بنيوزيلندا لهجوم إرهابي بشع على مسجدين للمسلمين، وكذلك ما تعرض له كنيس يهودي في كاليفورنيا الأمريكية من اعتداء إرهابي وحشي، وقبله على كنيس في بنسلفانيا الأمريكية. هذه القمة المهمة حول «سلام الأديان» تؤكد عزيمة أتباع الأديان على إيضاح حقيقة الأديان الداعية في أصلها للمحبة والسلام والوئام. لم يكن الدين يومًا من الأيام شرًّا على البشرية، وفي الإسلام قال الله تعالى في القرآن الكريم عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. لكن الأشرار والمختطفين فكريًّا لم يرضوا بذلك؛ فجعلوا من الدين جسرا لتمرير أهدافهم. وواجبنا كقادة ومراجع وشخصيات دينية مواجهة هذا الادعاء الكاذب؛ لنوضح الحقيقة للعالم بالشاهد الحي. لقد تعرضت عدد من الأماكن الآمنة المسالمة، بما فيها دور العبادة، لأعمال إرهابية فاجعة، هزت العالم، لا تعبّر إلا عن أفكار وأهداف كل من كان وراءها. لذا بادر الجميع، ومن ذلك قادة الأديان، ومن بينهم الدين الإسلامي، للبراءة من أعمالها الإجرامية التي لم يفجع إرهابها جهاتها المستهدفة فحسب بل فجعت العالم كله. إن قمة كولومبو جاءت لتشخص الحالة الراهنة، وتضع الحلول لها، ولتعقد عزيمة المؤتمرين على العمل النوعي الفاعل لمواجهة قوى الشر الإرهابي. كما جاءت أيضًا لتكشف الحقائق بكل شفافية. جميعنا نتطلع إلى أن يتضمن إعلان كولومبو كل ما يصبو إليه المتابعون لأعمال هذه القمة المهمة منطلقة من جمهورية سريلانكا التي تعرضت لعدد من العمليات الإرهابية. سيظل عالمنا آمنًا - بإذن الله تعالى - رغم ممارسات قوى الشر الإرهابية، وستظل تلك القوى معزولة الفكر ومحاربة ومطاردة مهما تكن تدابيرها اليائسة ما دامت إرادتنا صلبة أمامها، وهي كذلك بعون الله. إن هذا المؤتمر يؤكد رسوخ الخير وثباته وسيادته، ولن ننكر أن هناك تساهلاً حصل تجاه السماح بترويج المواد الأولوية للتطرف العنيف والإرهاب، ويأتي في مقدمتها خطاب الكراهية والعنصرية والاستعلاء المقيت على الآخرين بغطرسة الأيديولوجية الدينية والعرقية. وأول هذا التساهل يأتي من التحفظ على سن التشريعات المجرمة لذلك الخطاب المفضي حتمًا إلى الفعل الضار، كما تدل على ذلك وقائع مادية مشاهدة لا مجرد نظريات وأطروحات تخمينية. لقد وجد البعض الذريعة السهلة عندما أتيحت له فرصة تصدير المواد الأولية لصناعة التطرف العنيف والإرهاب، وذلك تحت غطاء الحريات؛ ليتضاعف الجرم في هذا من خلال تشويه المعنى الأخلاقي للحريات، والتسلل من خلال ذلك لتهيئة البيئة المناسبة للعنف والإرهاب. وإذا كانت الحكمة تقول إن توصيف المشكلة هو نصف الطريق لحلها فإن مشكلة الإرهاب تكمن في السماح لخطاب الكراهية والعنصرية دون تجريم، والسماح لازدراء أتباع الأديان والثقافات دون تجريم، وكذلك تغذية الأطفال والشباب بأوهام الحواجز النفسية ضد الآخر الذي هو النفس التي خلقها الله تعالى لتشاركه الأخوة الإنسانية وزمالة الحياة، وما فيها من ضرورة التعاون والتبادل والتعايش. وقاعدة ذلك كله المحبة والتسامح والحكمة في القول والعمل. ولكن كما نرى جميعًا غالبًا ما تتطور تلك الحواجز المفتعلة إلى القناعة بعدم إمكانية التعايش مع أخي الإنسانية الذي كرمه الله تعالى، وجعل وجوده من ضرورات الحياة؛ لتأتي المطالبة بعد ذلك بإلغاء وجود الآخر؛ ليقف هذا العته الفكري متحديًا ومصادمًا لسُنة الخالق التي قضت بوجود الاختلاف والتنوع والتعدد. ومع هزيمة وخسارة أسلافه عبر التاريخ إلا أن العنف والإرهاب لا يتعظ في غالب أحواله إلا بنفسه، وله مع القدر الإلهي موعد حتمي. وما أحوج الجميع إلى الوعي الفكري المفضي إلى الوعي الوطني، وما ينتج منه من تعزيز الوئام والاستقرار، ومن ذلك احترام دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يعيش فيها الجميع، ويشمل ذلك احترام السائد الديني والثقافي الذي يعبّر عن رأي الأكثرية في كل بلد، ومن ذلك مراعاة مشاعرهم. فنحن على أرض سريلانكا ندرك أن هذا البلد هو بلد الأغلبية البوذية، وعلى الجميع تفهم ذلك من خلال تبادل المحبة والاحترام والعيش بسلام ووئام. وختم معاليه كلمته بمبادرة إنشاء صندوق خيري، يخصص لأسر ضحايا الهجمات الإرهابية والمصابين حول العالم. وأعلن تبرع الهيئة العالمية للإغاثة والرعاية والتنمية التابعة لرابطة العالم الإسلامي بمبلغ خمسة ملايين دولار لصالح الصندوق أيًّا كان مصدر هذه الهجمات ومكانها وضحاياها ومصابوها. فيما تحدث المشاركون في القمة موضحين دعمهم الكامل لأهدافها، وأنه يجب تفويت الفرصة على الإرهاب من خلال أمثال هذه القمة المهمة التي تعقد عزيمة المؤتمرين على العمل معًا في مواجهة الإرهاب، والتشديد على أنه لا يمثل إلا نفسه، وأن الأديان كافة بريئة منه، وأنه لا يعدو كونه أيديولوجية كارهة للجميع. مشيرين إلى أنه استهدف الجميع، وأن من قام به فئات إرهابية، تنسب نفسها للأديان، كالذي حصل في فاجعة مسجدَي كرايستشرش بنيوزيلندا وكاليفورنيا وبنسلفانيا الأمريكية، وما حصل في سريلانكا، وبخاصة تفجير الكنيسة. وقد التقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلاً من دولة رئيس وزراء سريلانكا ومعالي رئيس البرلمان وعددًا من كبار القيادات الإسلامية والمسيحية والبوذية والهندوسية الذين أكدوا جميعًا أن توقيت زيارة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كان مهمًّا للغاية. هذا، وقد قام معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بزيارة للكاردينال السريلانكي راعي الكنيسة التي تعرضت للتفجير في كولومبو مقدمًا له التعازي والمواساة، فيما ثمّن الكاردينال زيارة معاليه وتعازيه، مؤكدًا أن الإسلام بريء من هذه الأعمال، وأن من قام بذلك إرهابيون لا يمتون للمسلمين بصلة، وأن المسلمين في سريلانكا هم أصدقاء لنا، ونتبادل مشاعر التقدير والمحبة والتعاون المستمر.