عرف الأمير بندر بن عبدالعزيز منذ النشأة الأولى وفي بواكير حياته بالهدوء وقلة الكلام وعدم الخوض بما لا يعنيه، والتزامه وتدينه وبعده عن كل ما يمس اسمه وسمعته، حيث التزم مجلس والده الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأفاد من مدرسته العظيمة وتحين كل فرصة لينال قسطًا وافرًا من مكارم وفضائل وتجليات ذلك المجلس ومنذ وقت مبكر في حياته، وكان حريصًا على مكتسبات ينالها من عظمة والده الذي رأى فيه المدرسة والجامعة ومنهج الحياة، فتعلم منه القرب من الله تعالى، والتزام فرائضه وحدوده، وحياة القلب المتعلق بالصلاة تربية منذ صغره وهذا المبدأ غرسه الأمير بندر تربية صارمة في أبنائه جميعًا وبناته مما كان له أبلغ الأثر في تربيتهم فكان أكثر ما يثير غضبه التقاصر دون أداء الفرض، فكان يوقظهم منذ صغرهم لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، ويتفقدهم، ويحاسبهم، ويسأل عن غائبهم، لذا لا غرو أن نجد أولاده جميعًا على قدر من الاستقامة والصلاح والمنافسة إلى فضائل الأخلاق والمراجل لأن كل واحد منهم يتمثل اقتداء ومحاكاة والده بندر بن عبدالعزيز ويحمل اسمه، وهو تربيته فالتواضع الجم صفة الأب الصالح بندر بن عبدالعزيز التي ترجمها أبناؤه جميعًا على أرض الواقع المعيش في حياتهم، كما أنهم يتنافسون في نثر تلك الفضائل والصفات الحميدة، والخصال الجميلة التي توارثوها من معين سيرة والدهم الزاخرة بفضائل الأعمال والمحامد، لأن حياته كلها إشراقات تجلت بسمو السيرة والمسيرة ذات السمعة والذكر الحسن برهنتها الأعمال تلو الأعمال والمواقف التي وقفها في إصلاح ذات البين، والسعي في إعتاق الرقاب، يقدم جاهه وماله، ويده ندية بالعطاء والبذل تلك السمعة تركت لها بصمة واضحة المكارم لأنها تحمل ضميرًا يقظًا وقلبًا صادقًا، وعقلاً راجحًا تعلق بالله على بصيرة وهدى، فقد كان -رحمه الله- رزين العقل، ثاقب الرأي، صبورًا حليمًا ذا أناة وروية، وذا شخصية فذة مهابة بسمو تواضعها، تذوب أمامها كل المقدمات وكأنك حين تجالسه لست أمام أمير وصاحب سمو ملكين بل هو بتواضعه يشعرك للوهلة الأولى ببساطته وزهده بالإمارة حيث عرفته لسنوات كنت أجالسه في الحرم المكي في ليالي رمضان المباركة وكيف أراه يحنو على الجميع، ويقدم بيده التمر عند الإفطار لمن حوله، ويطعم معهم، ويلاطفهم وكان كثير التبتل إلى الله ولسانه يلهج ويترطب بذكر الله تعالى، وكان يعمر ليالي رمضان بالقيام والتهجد وقراءة القرآنحافظًا لوقته، زاهدًا ورعًا عرف بالعفاف والكفاف والزهد بالمناصب كلها، أمضى حياته للعمل على مصالح المسلمين، والشفاعة الحسنة لدى ولاة الأمر، والسعي في قضاء حوائج الناس ممن يقصدونه، وكان للفقراء نصيب وافر من عطفه ونواله، كما أنه كان مثلاً يحتذى في وحدة التحام البيت السعودي وتماسكه، وكان شخصه واسمه حاضرًا، في مشهد تاريخ البيعة السعودية لجميع ملوكها الستة الأشاوس، ويده مصافحة لهم بالسمع والطاعة داعية لهم بالنصر والتأييد، كما أن الأمير بندر بن عبدالعزيز -رحمه الله- يضرب به المثل في قوة صلته وإخوته ومحبته لإخوانه الملوك والأمراء الذين يكبرونه سنًا، وكذلك تميز علاقاته الحميمة ببقية إخوته الذين يصغرونه في السن وقوة العلاقة الأخوية التي تربطهم والقائمة على المحبة والتقدير والاحترام، وتلك سمة بارزة في أبناء الملك عبدالعزيز وفي الأسرة المالكة وهذا البر والصلة علمهما أبناؤه بالمحاكاة والتربية والاقتداء كأساس قائم بينهم فكانوا جميعًا على قلب رجل واحد، حتى أن الأمير بندر بن عبدالعزيز عندما ألم بشقيقه الأمير فواز عارض صحي ألزمه الفراش أمر أبناءه بأن يتناوبون بالمرافقة معه مدة إقامته في المستشفى ويقومون بالسهر على رعايته، كما امتاز الأمير بندر بمحبته للعلماء والدعاة وطلبة العلم وبعض من أئمة الحرمين الشريفين وكان محبًا لهم موقرًا لعلمهم، يستمع لفتاواهم عبر المذياع، يزورهم ويزورونه وبينه وبينهم مراسلات وقد نفع الله به وأمضى على يديه الكثير من الأعمال الخيرية والإنسانية كما أن الأمير بندر -رحمه الله- دائمًا ما تكون مجالسه في حله وترحاله عامرة بذكر الله ويكره أن يذكر أحد في مجلسه في حال غيبته وكان يحرص أن تعمر مجالسه بقراءة القرآن الكريم وتفسير آياته ويخصص أحد طلبة العلم لقراءة آية وتفسيرها وخاصة في ليالي رمضان قبل السحور وكان يحرص أن يستمع الجميع لذلك. نقل لي الشيخ حمد الطيار إمام مسجد الأمير بندر بأنه لازم الأمير أكثر من عشرين سنة وكان يتهجد معه بالمسجد طوال هذه السنوات. توفي رحمه الله يوم الاثنين السادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1440ه وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العشاء من يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر ذي القعدة، واكتظ المسجد الحرام بالمصلين يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ثم ووري جثمانه الثرى في مقبرة العدل رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجعل الجنة مثواه. ** **