أزمة كبيرة تتعرض لها شركة هواوي الصينية الشهيرة، إحدى أشهر وأكبر الشركات التقنية المصنعة في العالم للهواتف المتنقلة والأجهزة اللوحية، وهي المنافس الأقوى لشركة آبل الأمريكية وسامسونج الكورية في سوق الأجهزة الكفية الذكية. أزمة هذا الوحش القادم لابتلاع حصة سوقية كبرى في سوق الاتصالات وتقنية المعلومات تكمن في أنها باتت أحد ميادين الحرب السياسية والتجارية بين أمريكاوالصين التي تدور رحاها حاليًا. من الطبيعي والمتوقع أن تكون هواوي أحد أوجه هذا الصراع، وخصوصًا في ظل اتهامات بارتباط الشركة الوثيق بالحكومة الصينية وتوجهاتها؛ الأمر الذي عمّق جراحها، ووضعها في مرمى سهام هذه الحرب. لقد تميزت أجهزة ومنتجات وخدمات هواوي بكفاءتها ومناسبة أسعارها وتطورها السريع؛ وهو ما أكسبها على نحو متسارع شرائح كبيرة من المستخدمين حول العالم، وليس في الصين فقط، وحصلت على حصة سوقية ممتازة في سوق الأجهزة المتنقلة، تقدر بحدود 28 %. مع هذه الحرب التجارية وجدت هواوي نفسها في مأزق كبير؛ إذ إنها تستخدم متجر قوقل في تحميل التطبيقات والبرامج في أجهزتها، وتعاظم المأزق بعد أن أعلنت قوقل مؤخرًا أنها سوف تعيد النظر في السماح لهواوي بذلك، ومنحتها فرصة أشهرًا، وألمحت إلى احتمالية إيقافها نهائيًّا كنتيجة للخلافات التجارية بين الدولتين. وتبعتها شركتا كوالكوم وأنتل في التوجُّه. الرئيس الأمريكي ترامب ومسؤولون في إدارته خرجوا في الإعلام أكثر من مرة متهمين الشركة الصينية بأنها تعمل لصالح الحكومة الصينية، وأنها تستخدم تقنياتها لأغراض تجسسية وأمنية غير مسموح أو مصرح بها في الدول التي تبيع منتجاتها. على الجانب الآخر، خرج أكثر من مسؤول من قيادات الشركة برسائل تطمين أن الشركة لن تتأثر بالحرب التجارية المقصود بها تعطيل عمل الشركة، مؤكدين أن الشركة سوف تواصل توفير تحديثات الأمان وخدمات ما بعد البيع لجميع الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وتؤكد أن البدائل لديها متاحة، وسوف يُعلَن عنها في حينه متى ما استدعى الأمر ذلك. هذه الأجواء الصاخبة أحدثت لبسًا في أوساط المستخدمين الحاليين لأجهزة هواوي، وبين المشترين المرتقبين الجدد؛ فالغموض موجود، والقلق هو السائد. ويتساءل المشتري: كيف أشتري جهازًا قد لا أجد فيه ما أريد من برامج وتطبيقات؟ ومن يضمن توفير البدائل المطلوبة من الشركة؟ تطور الأمر؛ فوسائل الإعلام العالمية تتابع الوضع باهتمام كبير، وأخبار الشركة تتصدر الأخبار العالمية بشكل يومي. طبعًا السبب هو معرفة مدى استمرارية ونجاح مثل هذه الحرب، وهي البداية التي قد يتبعها مقاطعة لشركات أخرى صينية، يقابلها هجمة معاكسة، تقودها الصين ضد شركات أمريكية. في هذه الحرب التجارية التي أخذت شكلاً «رقميًّا» دروس مهمة حول أهمية أن تعمل الدول على توفير الحد الأدنى من الاستقلالية عند الاعتماد على الأنظمة والتقنيات التي لا يملكها سوى مصدر واحد، قد تخضع تعاملاته لتداعيات السياسة وتعقيداتها. ورغم أن البعض يعتقد أن الصين قد تكون الطرف الأضعف في هذه المعادلة إلا أن الوضع شبه معقد؛ إذ تعتمد كثير من الشركات الأمريكية بشكل كبير على منتجات لشركات صينية، بما فيها شركة آبل، وسيعرقلها ولو مؤقتًا في صناعة بعض منتجاتها. لا نعلم امتدادات هذه الحرب وتداعياتها المحتملة علينا في المنطقة إلا أن الواضح هو أن هذه الحرب سوف يكون لها تداعيات وخيمة على كل الأطراف المشتركة فيها؛ فحتى شركات اتصالات عالمية مثل فودافون البريطانية وشركات يابانية وأوروبية أعلنت عزمها إيقاف بيع أجهزة هواوي الجديدة في حال استمرت أزمة الحرب التجارية. هذه إحدى الحالات نادرة الحدوث التي توضح بشكل جلي ما تعلمناه في الإدارة الاستراتيجية، وهو أن هناك مؤثرات، تتعرض لها أي منظمة، سواء في بيئتها الداخلية أو بيئتها الخارجية، وهو ما يحدث الآن لشركة هواوي من تأثير كبير للبيئة الخارجية السياسية، وهي من القوى القاهرة التي لا يمكن التحكم بها. كما تؤكد أهمية الاستعداد والجاهزية للتعامل مع الأزمات والتحضير لإدارتها، ليس فقط لاحتوائها، بل حتى للتقليل من آثارها، قبل أن تستمر فتلقي بتأثير كبير على سمعة الشركة وقدرتها على الاستمرار في البقاء في السوق. لا نعلم ما الذي سوف يحدث في الأيام القادمة، لكن دعونا ننتظر ونرى ما الذي يمكن أن تفعله شركة عملاقة بحجم هواوي مع أزمة ولدت وترعرعت خارج محيطها الذي يمكن أن تتحرك فيه!!