إنه من نافلة القول أن وزارة التعليم من أهم الوزارات الأساس في تنمية الوطن؛ لأنها تقوم على مهمة بناء الإنسان منذ نعومة أظفاره، وتأسيسه تربوياً وتعليمياً، وبناء شخصيته على أساس من القيم السلوكية الأخلاقية المرتكزة على عناصر جوهرية من القيم المبدئية العلمية التي تنمي محتواه المعرفي تجاه الحياة وخالقها والكون والأشياء، وتديد موقفه منها، وفي الوقت نفسه يتم من خلال ذلك النمو المعرفي النمو البدني والنفسي والفكري والاجتماعي والعلمي، وبخاصة في مراحل الإنسان التربوية والتعليمية الأولية الأساسية؛ أي منذ المرحلة التمهيدية ومن ثم المرحلة الابتدائية. وتعليم اللغة العربية للطفل والطالب العربي المسلم بالطريقة الصحيحة يأتي في مقدمة ركائز تعليمه الأساسي؛ لتأسيس بنيته اللغوية والفكرية، وتجذير انتمائه لِهُويته الوطنية الإسلامية، إضافة لما يحققه ذلك من بناء قدرة محاكمة العقلية للأمور وتمكنه من القدرة على ربط العلاقات السليمة بين الأشياء وتحليلها، والحكم عليها حكما سليما، وبالتالي تمكينه من تحصيل المعارف والعلوم بطريقة عميقة وسهلة في الوقت نفسه. وإذا كانت وزارة التعليم ومؤسساتها التربوية التعليمية هي التي تتولى رعاية هذه المرحلة المهمة الخطيرة؛ فإننا على يقين بأنها تستشعر أن عليها أن تكون أكثر عناية في توخي أفضل الطرق والأساليب المنهجية التربوية للتعليم؛ ولعله من المناسب -والوزارة الموقرة تستقبل عهداً جديداً وقيادة جديدة- أن نتذكر معها، أو أن نفكر معها بصوت مسموع؛ وذلك بأن نتجه -في هذه المرحلة الأساسية للمتعلمين بالذات- إلى التعليم العملي التطبيقي المباشر؛ لأنه سيكون أكثر قبولاً وتشويقاً، وأكثر فاعلية، وأكثر مناسبة لمزاجية هذه المرحلة العمرية، وأكثر تحقيقاً للنتائج الإيجابية التأصيلية، وأن نبتعد قدر الإمكان من الإمعان في التنظير والتلقين والتحفيظ، مستثنين في مسألة الحفظ ما يتصل بالنصوص اللغوية الأساسية، كالقرآن والحديث والشعر والنثر العربي الفصيح؛ لأن ذلك يمثل تطبيقاً عملياً لبناء الملكة اللغوية وتأصيلها لدى الطالب والطالبة. وبهذه المناسبة فإنني أقترح أن يتم التعليم في هذه المرحلة عن طريق التطبيق العملي والممارسة الحية المدروسة التي تشبع رغبة الطالب -في هذه السن المبكرة- في الحركة والاكتشاف والتجريب والمغامرة، وأن ندخله في جو من ممارسة الحياة؛ بما فيها تلقي المعارف والعلوم عن طريق الاكتساب الذاتي العملي -تحت رعاية المعلم وتوجيهه ومشاركته- لما لذلك من تأثير عميق في النفس، وترسيخ طبيعي للتجربة في العقل والوجدان، واكتشاف للخبرات بصورة سهلة محببة ميسرة، وتحقيق مضمون للغايات والأهداف. ومن ذلك تحويل المواد والمقررات الحالية إلى ورش عملية تطبيقية أو ما يشبها؛ أي إلى ما يشبه العمل الميداني؛ بحيث تُحوَّل (المواد العلمية المقررة على الطلاب) إلى حياة يمارسها الطالب، وينفذها من خلال لوحات ومشاهد عملية يعيشها الطالب برعاية معلمه وتوجيهه، هذا المعلم الذي يمارس مع تلميذه هذه اللوحة ويوظفها في جعل محتواها متضمنا لمادة المقرر الذي يتولى تعليمه، وفي آخر هذه الحصة يستخلص مع طلابه الخلاصات العلمية التي تمثل في النهاية محتوى الدرس العلمي. وتمثل تلك الورش عناصر الحياة العملية، يعيشها الطالب، ومن خلالها يتعرف (مثلاً) على (قضايا التوحيد والعقيدة) و(على قضايا السلوك والقيم) (حب الدين والوطن وحسن الخلق) وعلى (قضايا الرياضيات والمعادلات الحسابية) وهكذا يتعرف ويتمثل مسائل التعامل مع الآخر، وتبني القيم الأخلاقية والفضائل، وتتأصل فيه قيم الاحترام المتبادل، والتسامح والتعاون، وحب الخير، ومساعدة المحتاج، واحترام الكبير والمعلم، والقريب والبعيد، وربط ذلك برضاء الله، والرغبة في تحصيل الأجر والمثوبة منه، والتقرب إليه، وإعلاء قيمة العمل المهني في نفسه، واحترام العامل المنتج، وأن هذا من مظاهر العبودية لله، وتحقيق الذات، وباب من أبواب النجاح المحترم، ومظهر من مظاهر المواطنة الصالحة؛ وهكذا وعلى هذا المنوال نسير في مواد العلوم والتاريخ، والحاسب الآلي... إلخ. فيكون هناك (ورشة المسجد) لمادة التوحيد والعقيدة والعبادات، (وورشة الإلقاء والخطابة والقراءة الجهرية) للغة العربية والنصوص، (وورشة المزرعة) للعلوم والأحياء، وعلى هذا النحو نفتح (ورش المعمل والمنجرة والمصنع) لمادة المهنة، ومن خلال هذه الممارسات العملية التعليمية سنجعل الطالب يتحصل على المحتوى العلمي والتربوي، ويتمثل المحتوى الأخلاقي والسلوكي المنشود، من خلال تعامله الحميد مع زملائه ومعلمه، الذين هم شركاء له في هذه الحياة العملية المبسطة الميسرة، ومن خلال تعاونه معهم، واستمتاعه بهذا التعاون، واكتشاف قيم الخير والفضائل، وتمثلها في حياته، وانعكاسها على سلوكه في المجتمع؛ إننا بذلك نضع الطالب على الطريق الصحيح علماً وعملاً، ونهيئه بحق للحياة ولسوق العمل.. والله الموفق. ** **