قال الله تعالى {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}. بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره ودَّعت المدينةالمنورة قبل أيام قليلة واحداً من أبرز أعيانها، أحد رواد التربية والتعليم بطيبة الطيبة، الأستاذ القدير سليمان بن واصل بن عواد الأحمدي، الذي انتقل إلى رحمة الله بعد عارض صحي ألمَّ به في الأشهر الأخيرة، وقد تمت الصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف، وتم دفنه ببقيع الغرقد، وشيّعته جموع كبيرة من كبار الشخصيات والأعيان والأقارب. خبر أقلق مضجعي، وارتجت منه أضلعي، وأثر في قلبي وقعه، وكاد لساني من الحزن أن يفقد نطقه.. خبر لم يزعجني وحدي بل أزعج الكثيرين ممن عرفوا سيرته وتاريخه وحياته وشهامته ومواقفه. - أبدمع عيني أم بنبض قلبي أم بالدم الذي يجري في شراييني أم بالروح التي تجري في جسدي أخط كلمات رثائي، وهو رجل النبل والوفاء والسخاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. - أقول كما علّمنا رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا أبا مدني لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. - رحل - رحمه الله - بعد مشوار حافل بالعطاء والخير، امتد لما يُقارب الثمانين عاماً، عرفه أهل طيبة الطيبة خلالها مواطناً صالحاً، ومعلماً وقائداً تربوياً، وشخصية اجتماعية مرموقة محباً للخير، وساعياً للإصلاح بين الناس.. رجل يصعب وصف أخلاقه، ونقاوة قلبه، وسريرة خاطره، وطيب معدنه، ورجاحة عقله. - عاش - رحمه الله - حياةً كانت مثالاً للتفاني والإخلاص، وصدق الانتماء للقيادة والوطن، ومحبة الناس والإحسان إليهم، والوقوف إلى جانبهم وقت الحاجة.. حظي بتقدير الكبير ومحبة الصغير. - عرفتُ هذا الشيخ الجليل والعم القدير عن قرب وهو مدرك تمام الإدراك أن الدنيا مطية للآخرة، وأن العبد إذا لم يصنع فيها جسراً للعبور إلى رضوان الله فلا خير فيها.. عرفته مترفعاً عن الدنيا، مبتعداً عن الموبقات، ضابطاً لنفسه، يرقب عطاء ربه، ويبتغي مرضاته، يطلب الدنيا ليستعين بها على الآخرة في سبيل العفو والمغفرة. - هذا ليس كل شيء عن الشيخ سليمان بن واصل الأحمدي؛ فهو موسوعة شاملة لمواقف إنسانية متعددة، وأعمال خيرية كثيرة، يصعب حصرها في مقال واحد.. هو إنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. وهو رجل تجده في الأوقات الصعبة. - ترك غيابه فراغاً كبيراً في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن قرب، وترك أثراً ناصعاً وإرثاً زاخراً من الأعمال الجليلة.. كما خلف ما شاء الله (أبناء وبنات) أحسبهم من الأخيار.. رباهم فأحسن تربيتهم (ديناً وأخلاقاً)، وهم - بإذن الله - على نهج والدهم سائرون. - أسأل الله العلي القدير أن يتغمد العم سليمان، بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه فسيح جناته (جنة الفردوس). - اللهم آنس وحشته، وارحم غربته، وتجاوز عن سيئاته، واقبل منه حسناته، واغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار.. برحمتك يا أرحم الراحمين. - اللهم اجبر كسر قلوبنا في رحيله، وألهم أخاه (عامر) وأبناءه ( مدني ومحمد وعبدالله وسلطان وأسامة) وبناته وزوجاته وأحفاده وأقاربه وأصهاره ومحبيه الصبر والسلوان (إنك سميع مجيب). ** **