ما أقسى لحظات الوداع، وما أصعب ساعات الفراق... كيف والمفارق رجل بحجم وقيمة العم سليمان بن حامد الأحمدي.. ودّعته المدينةالمنورة قبل أيام قليلة كواحد من أبرز أعيانها وأحد رجالاتها الأخيار، مرتبطًا اسمه في أعمال البر والخير والإحسان وإصلاح ذات البين... كيف أبدأ أحرف رثائي وسيرته وتاريخه وحياته وشهامته ومواقفه أكبر من كل الكلمات.. ولكنني أستعين بالله وأبدأ كما علّمنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا عبدالغني لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. - رحل يرحمه الله إلى جوار ربه، بعد مشوار حافل بالعطاء والخير امتد لما يُقارب الثمانين عاماً، عرفه أهل طيبة الطيبة خلالها مواطناً صالحاً محبًا لدينه وقيادته ووطنه ومجتمعه وشخصية اجتماعية مرموقة محباً للخير وساعياً للإصلاح بين الناس، وداعمًا رئيسًا في أغلب الجمعيات الخيرية والإنسانية وإعتاق الرقاب وكفالة اليتيم ومساعدة الأرامل والمحتاجين، وله دور واضح في المشاركات والمناسبات الوطنية والاجتماعية.. رجلاً يصعب وصف أخلاقه، ونقاوة قلبه، وسريرة خاطره، وطيب معدنه، ورجاحة عقله. - عاش يرحمه الله حياة مديدة كانت مثالاً للتفاني والإخلاص ومحبة الناس والإحسان إليهم والوقوف إلى جانبهم وقت الحاجة.. حظي بتقدير الكبير ومحبة الصغير. - عرفت هذا الرمز عن قرب وهو مدرك تمام الإدراك أن الدنيا مطية للآخرة وأن العبد إذ لم يصنع فيها جسراً للعبور منه إلى رضوان الله فلا خير فيها.. عرفته مترفعاً عن الدنيا، مبتعداً عن الموبقات، ضابطاً لنفسه، يرقب عطاء ربه، ويبتغي مرضاته، يطلب الدنيا ليستعين بها على الآخرة دون أدنى استعداد للتضحية بدينه أو مروءته في سبيلها. - كانت له هيبة وإطلالة ملفتة مع تواضع وابتسامة هي أكثر ما تُميّزه.. كان الحوار في مجلسه لا يخرج عن أدبياته وفي النطاق المحدد له من مسائل إنسانية أو خيرية أو اجتماعية. - هذا ليس كل شيء عن الراحل سليمان الأحمدي، فهو موسوعة شاملة لمواقف إنسانية متعددة وأعمال خيرية كثيرة يصعب حصرها في مقال واحد.. هو إنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. وهو رجل المواقف الصعبة. - ترك غيابه فراغاً كبيراً في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن قرب، وترك أثراً ناصعاً وإرثاً زاخراً من الأعمال الجليلة كما خلف ما شاء الله (ذرية) أحسبهم من الأخيار، رباهم فأحسن تربيتهم (ديناً وأخلاقاً)، وهم -بإذن الله- على نهج والدهم سائرون. - أسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه فسيح جناته (جنة الفردوس). - اللهم آنس وحشته وارحم غربته وتجاوز عن سيئاته واقبل منه حسناته واغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار برحمتك يا أرحم الراحمين. - اللهم ألهم إخوانه وأبناءه وبناته وزوجاته وأحفاده وأقاربه ومحبيه الصبر والسلوان (إنك سميع مجيب). ** **