تاريخياً أول من ثار على الاحتلال التركي في البلاد العربية هم السعوديون في نهايات القرن السابع عشر الميلادي، وهم -أيضاً- من أوقد شرارة الثورة على الاحتلال العثماني في البلدان العربية، أو ما يسمونه دولة الخلافة، كما ذكر ذلك المفكر المغربي محمد عابد الجابري في حواره الشهير مع المفكر المصري حسن حنفي، لذلك فالأتراك، مثلما هم الأخونج المتأسلمون يكنون للمملكة بغضاً وكراهية تاريخية، ومن يقرأ تاريخ المملكة في فتراتها الثلاث، سيلحظ أول ما يلحظ أن الأتراك هم فقط من استعمروا أجزاءً من المملكة، التي لم تعرف الاستعمار لا قبلهم ولا بعدهم، لذلك فالصراع بيننا وبينهم له جذور تاريخية، حاول بعض المتأخونين (الخونة) طمسها أو تهميش آثارها، وقللوا من شأنها في مناهج التاريخ المدرسية، لكنها بقيت في المدونات الموروثة تفضح حقد هؤلاء القوم وعملاؤهم على المملكة وعلى البيت الحاكم فيها. ومن يقرأ تاريخ أردوغان سيجد أنه مثال للسياسي المتأسلم، الذي يستخدم الدين، وكذلك المتأسلمون، وعلى رأسهم جماعة الأخونج، بشكل يشير إلى قبح ودناءة هؤلاء الفئة من المسلمين الانتهازيين، فالأتراك لم يلتفتوا نحو العرب، ونحو تاريخهم الإسلامي، إلا بعد أن فشلت محاولاتهم اللاهثة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فاتجهوا جنوباً نحو بلاد العرب. تاريخ العثمانيين الأتراك في البلاد العربية إبان الاحتلال التركي كان تاريخاً منتناً قذراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهم هذه الأيام ركبوا (مطية) الأخونج، ومالؤوهم لا حباً ولا قناعة بهم وبما يحملون من طرح أيديولوجي مستعصٍ على التنفيذ عملياً، وإنما ليكونوا لهم بمثابة الجسر للسيطرة والنفوذ على البلاد العربية، خاصة الفئة المتأسلمة من الشعوب العربية، الذين يروا في الماضي المغبر وإحياؤه حلاً حضارياً، وتركياً كما يقول تاريخها دولة علمانية، ذات دستور لا علاقة له بالإسلام ولا بالشريعة، وأول من يعي ذلك ويدركه تمام الإدراك هو (أردوغان)، الذي صرح ذات يوم أن تركيا زعيمة العالم الإسلامي، رغم الدواهي العظام المباحة فيها، فلا يحتاج المرء لإدراك هذه الحقيقة إلا بقراءة تاريخ أتاتورك، وقراءة تاريخ أردوغان، وكذلك الدستور الذي منه يستقي المشرعون الأتراك قوانينهم وشرائعهم. وكنت في البداية منخدعاً بأردوغان، وكنت أعتقد أنه يطرح طرحاً إسلامياً عصرياً متنوراً، نحن في أمس الحاجة إليه، إلا أنني اكتشفت حقيقته، وانتهازيته، بعد ما يسمونه (الربيع العربي) الذي كان هو والرئيس الأمريكي السابق أوباما إضافة طبعاً إلى الدولة (الغازيّة) الحقيرة قطر من عملوا على إذكاء حروبه وفتنه ومؤامراته، ولم تكن جماعة الأخونج المتأسلمة إلا بغلة ركبوها لتحقيق نواياهم. هزيمة الربيع العربي وفشله، إضافة إلى فشل أردوغان اقتصادياً، لا بد أن يقضي على الظاهرة الأردوغانية، فالقضية في رأيي قضية وقت ليس إلا يكفيك فقط أن تعرف مدى تشابك الاقتصاد التركي بدول الغرب، واعتمادهم شبه الكلي على نظرياته في السياسة والاقتصاد والتركيبة القيَمية والاجتماعية، لتكتشف أن ما يرفعه أردوغان من شعارات إسلامية ما هي إلا ذر للرماد في العيون، وأنه إذا حاول أن يؤسلم تركيا على طريقة ونهج الأخوان المسلمين عندما حكموا مصر، فسوف ينتهي قطعاً؛ غير أنني على ثقة أنه سياسي ماكر، يستخدم المغفلين المتأسلمين، ويرفع شعاراتهم، لمجرد استقطاب الأتباع من العرب، أما هو فهو (براغماتي) صرف، سيركب أي مركب يمكنه من تحقيق أهدافه للسيطرة على الدول العربية. إلى اللقاء