في الوقت الذي وصل فيه المجتمع العالمي إلى مرحلة متقدمة من الحضارة في معظم الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والصحية إلا أن صناع القرار العالمي مشغولون بالصراعات على حساب التنمية بمفهومها الشامل. تشير الدلائل الإحصائية إلى أن الإنفاق العالمي على التسلح بلغ أكثر من تريليون ومائتين وأربعة عشر بليون دولار (1.214.000.000.000) سنوياً يقابله مبالغ كبيرة جداً تصرف على إعادة إعمار ما خلفته الحروب وعلى المجاعة وعلى علاج المصابين وعلى الآثار الأخرى الناتجة عن تلك الحروب بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما بلغ مجموع الإنفاق العالمي على الصحة 6.4.000.000.000. ومن المفارقات العجيبة أن الأممالمتحدة ومن خلال أذرعها تنفق على برامج تخفيف تبعات الحروب والصراعات كالمجاعة والأمراض والأوبئة والتخلف الاجتماعي وإعادة الإعمار أكثر مما تنفقه على برامج التنمية.. أي أنها تنفق على حل المشكلات أكثر مما تنفقه على التطوير. وهو اتجاه خاطئ وينبئ عن خلل كبير في المنهج والمسار. أعتقد أنه حان الوقت لإعادة النظر في الإدارة العالمية وإدارة المنظمات فوق الأممية، حان الوقت لإعادة النظر في تبني إدارة عالمية جديدة تختلف من حيث الشكل والمضمون والأهداف عن الكيان المؤسسي لهيئة الأممالمتحدة بوضعها الحالي. إدارة تستند على تأكيد مبدأ (الوقاية) من الحروب والأزمات والصراعات قبل وقوعها لا على معالجة تبعاتها بعد حدوثها، كما هو الأمر حالياً. فهي تعمل على منهج يقوم على ردود الأفعال بدلاً من المبادرات Reactive vs.Proactive. وهو منهج تقليدي عفا عليه الزمن. نعم نحن بحاجة إلى إدارة عالمية جديدة تتضمن أهدافاً استراتيجية جديدة ومعايير (مؤشرات أداء) تتناسب ومعطيات الفترة الحالية تقوم على تعزيز السلام وتأكيد الأمن وتأصيل التنمية المادية والروحانية في ذات الوقت. إدارة تقوم على دعم سباق التنمية والرفاه الاجتماعي على حساب سباق التسلح والصراعات. أعتقد أن الأممالمتحدة شاخت وعلينا إعادة هيكلتها أو هندرتها كما يقول خبراء الإدارة التطبيقية. فمن الواضح أن هذا الكيان الذي أسس منذ قرابة قرن من الزمن لم يعد يتناسب ومعطيات الفترة الحالية وحان الوقت لإعادة هيكلته من حيث الأهداف والآلية معاً. نحن نعيش في فترة تختلف تماماً عن الفترة التي أسس فيها هذا الكيان الأممي، فترة سيطرت فيها المعلومات على السلاح وفاقت فيها القدرات التقنية القدرات البشرية ولدينا من الممكنات ما نستطيع من خلالها متابعة المستجدات وضبط الأحداث والتنبؤ بالمستقبليات (بإذن الله) قبل وقوعها.. وباختصار فإنني أرى أن إعادة هيكلة المؤسسات فوق الأميية (وفي مقدمتها هيئة الأمم) أصبح ضرورة لا خيار إذا ما أردنا تحقيق الرفاه العالمي والتنمية البشرية بمفهومها الشمولي! نعم قد يقرأ البعض ذلك على أنه ضرب من التنظير والخيال ولكنني أقول إنه لم يعد هناك شيء يستحيل تنفيذه في وقتنا الحاضر ولم يعد هناك سقف للطموحات. والله ولي التوفيق.