صدمني كما صدم الكثيرين خبر وفاة السفير النموذجي المميز فهد بن عبدالله الرشيد أمس الاثنين الموافق الثامن من ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وأربعين من الهجرة النبوية، من مرض لم يمهله طويلاً. لقد شاء الله أن عرفت السفير فهد (أبو عبدالله) لمدة تزيد عن خمس سنوات، وعملت تحت رئاسته حينما تشرفت بخدمة وطني ملحقًا ثقافيًا في ماليزبا، وقد كان سفيرًا للمملكة هناك، ثم لما انتهى تكليفه وتكليفي وعدنا إلى الوطن عاد هو إلى الوزارة وأنا عدت للعمل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وأصبحنا نلتقي بشكل دوري في الديوانية الثقافية المميزة للأمير المميز صاحب للسمو الملكي الأمير فهد بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز. ولو أكتب مجلدًا عن مآثر وأعمال فهد الرشيد التي يفتخر بها أي مواطن سعودي وأي عربي وأي إنسان لما كفت والله. لقد حباه الله هدوءًا في الشخصية وقدرة غير عادية على العمل الدبلوماسي الراقي الذي يغبطه عليه الكثيرون، وقدرة وحكمة في الإدارة والتعامل مع الآخرين وغيرة على سمعة الوطن ومنجزاته جعلته يأسر العقول والقلوب حتى اختاره جميع السفراء العرب في ماليزيا عميدًا لهم لتميزه ولقدرته على جمع جميع الأطراف بمحبة وذكاء، مستندًا على محبة السعودية ومكانتها العالمية. ومن قدره وقدرته على توطيد وتقوية العلاقات بين المملكة وماليزيا منحه ملك ماليزبا أعلى لقب شرفي (داتو سري) غير الأوسمة والأنواط والشهادات التي مُنحها من كبار المسؤولين الماليزيين. وقد أكرمه الله كما أكرمني بأن توجت نهاية تكليفه في ماليزيا كما هي بالنسبة لي بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التاريخية لماليزيا، فعملنا سويًا للترتيب مع الجانب الماليزي ومع بقية زملائنا وتحت رئاسته لجعل البرنامج الخاص بزيارة خادم الحرمين الشريفين يليق بمقامه وبمكانة المملكة. وأحسب أنه كان برنامجًا مميزًا فعلاً، وكان من ضمن النجاحات لتلك الزيارة منح خادم الحرمين الشريفين درجتي الدكتوراه الفخرية من جامعة المالايا والجامعة الإسلامية العالمية مع شهادة التميز مدى الحياة من الجامعة الأخيرة. هذا فضلاً عما قام به -رحمه الله- من تفانٍ وإخلاص لدينه وملكه ووطنه على كل المستويات والمجالات. ولو أخدنا مثالين فقط على مآثر فهد الرشيد في خدمة المواطنين السعوديين والطلاب لكفاه -رحمه الله- فلم يسمح لأن يُضار أو يُساء لأي سائح أو مواطن سعودي يزور ماليزيا، وكان يقول بالحرف الواحد «لن أسمح لأي مواطن سعودي بأن يُسجن أو يُؤذى وأنا على رأس عملي»، لدرجة أن حالة مواطن سعودي كاد يحكم عليه بالإعدام نتيجة تصرف خاطئ فأنقذه بفضل الله ثم بحكمته وعلاقاته المميزة مع أعلى السلطات الماليزية. ليس ذلك فحسب بل أسس معهد «اقرأ» لتعليم الماليزيين وغيرهم اللغة العربية في داخل المدرسة السعودية. وأما قصته مع الطلاب السعوديين المبتعثين وغيرهم فيعلم الله وأشهد الله على ما أقول إنه يحرص على نجاحهم وتفوقهم ورعايتهم بأبوية لم أر مثلها ولم ندعه يومًا يشارك في احتفالية أو نشاط طلابي علمي في داخل الملحقية أو خارجها إلا وكان على رأس الحضور بشخصه ودعمه المادي والمعنوي. وقد حرص -رحمه الله- قبل نهاية تكليفه وبعد أن وفقنا الله لشراء مبنى نموذجي للملحقية الثقافية السعودية في كوالالمبور بدعم من وزارة التعليم في حكومتا الرشيدة -حفظها الله- ودعم ومتابعة شخصية مستمرة منه، وبادر بإنشاء خيمة خاصة مميزة داخل الملحقية للطلاب السعوديين وأنشطتهم. ومهما أكتبُ أو أذكر والعبرة تملأ عيني حزنًا على أبي عبدالله، فلن نوفيه حقه. رحمك الله يا أبا عبدالله فقد كنت سفيرًا غير عادي لبلد غير عادي. وجزاك الله خير الجزاء على ما قدمت وبذلت ورحمك رحمة الأبرار.