نفذ الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قرار فرض العقوبات المشددة على إيران في موعدها المحدد، ووضع النظام الإيراني أمام الأمر الواقع، الذي راهنوا على تغيره، بمساعدة أوروبية، أو تأجيله في أسوأ الأحوال. وبخلاف مهلة الستة أشهر المعطاة لثماني دول، تبقى العقوبات المالية والنفطية أكثر حزماً وشدة هذه المرة، إضافة إلى العقوبات المتوقع فرضها على الدول والشركات العالمية التي تخرق العقوبات الأمريكية. يبدو أن الرئيس ترمب أخذ في الاعتبار مصالح الدول الحليفة والاقتصاد العالمي ما أسهم في استثناء الدول الثماني من العقوبات، ولفترة زمنية حددت بستة أشهر. فالاتفاقيات النفطية، إضافة إلى العقود الآجلة، تحتاج إلى فترة زمنية أطول لإعادة تشكيلها دون الإضرار بالدول المستوردة، كما أن تأثير انقطاع صادرات النفط الإيرانية على الأسواق والأسعار فرض بعض المرونة في تنفيذ القرار. ستطول العقوبات الأمريكية القطاع المالي، والشحن وغيرها من القطاعات الاقتصادية المهمة، ما يعني شللاً متوقعاً للاقتصاد الإيراني سيزيد من معاناته الحالية، وسيغذي التضخم بشكل كبير، وسيدفع الريال الإيراني إلى مزيد من التراجعات المؤلمة للحكومة والشعب؛ ما قد يشعل شرارة الاحتجاجات القوية من جديد؛ بل أعتقد أن العقوبات الحالية ربما أطلقت شرارة انهيار نظام الملالي في إيران. إخراج إيران من نظام المدفوعات الدولية «سويفت»؛ ومنعها من تداول الدولار الأمريكي سيصيب القطاعات المالية في مقتل، وسيشل حركة الحكومة وقدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية. من المتوقع أيضاً أن تنخفض تدفقات تمويل الإرهاب الإيرانية إلى حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن بشكل كبير، غير أنه من المتوقع استعداد النظام الإيراني لهذه المرحلة من خلال خلق قنوات تمويل بديلة تعتمد الاستثمارات التي تدار من خلال وسطاء متخفين حول العالم أساساً لها؛ إضافة إلى قنوات التمويل الذاتي، وتلقي إيرادات «الخمس» من وكلاء خامنئي في الدول الغنية. صرامة الرئيس الأمريكي وتنفيذه قرار العقوبات الاقتصادية في وقتها، يجب ألا تحول دون مراجعة المتغيرات الدولية الأخيرة، لأخذ الحيطة والحذر؛ ومنها استغلال ملف «خاشقجي»؛ رحمه الله؛ من قبل نافذين في الحزب الديموقراطي الأمريكي والإعلام المنتمي إليه؛ لضرب السعودية والتشكيك في قدرتها على لعب دور الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية، واستغلال الموقف لمراجعة قرار المقاطعة أو تأجيله. شيطنة الإعلام الغربي للسعودية كان جزءاً رئيساً من حملة منظمة هدفها إحياء مخططات حكومة «باراك أوباما» في المنطقة، والسعودية على وجه الخصوص، وهو المخطط الذي يعتقد بسقوطه على يد «ترمب». المتابع للشأن الأمريكي يعي أن مخططاتهم الإستراتيجية قد تتغير أدواتها، وأساليبها؛ في الوقت الذي تبقى أهدافها الرئيسة ثابتة وبعيدة عن التغيير وإن تغيرت الحكومات. لذا فمرحلة «ترمب»؛ برغم ثوريتها؛ ربما شكلت مرحلة التقاط الأنفاس لدول الخليج، والحذق من يستغلها لمصلحته، ولإعادة تشكيل قوته في مواجهة المخططات القذرة.