{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}، صدق الله العظيم. لا شك أن من أكبر المصائب وأعظم الفواجع فَقْد عزيز عليك فكيف إذا كان أحد والديك أو أحد أشقائك خصوصاً إذا كان ذلك فجأة، ومن أصعب الشعور التحدث عن أخ لك متُوفى وله مكانة في نفسك. ففي يوم الخميس 19-12-1439ه من بعد مغرب ذلك اليوم فُجعت بوفاة شقيقي محمد سليمان موسى الغيث (أبو عبدالله) عن عمر يناهز 48 عاماً، والذي وافته المنية في منزله وبين زوجته وأولاده إثر أزمة قلبية فاجأته. لقد كان القدر أسرع والصدمة أكبر والمصيبة أعظم، فآمنا بالله وتوكلنا عليه، عندما تلقيت الخبر من الدكتور المسعف والذي حضر إلى المنزل مع زملائه المسعفين لم أصدق الخبر في الوهلة الأولى إلا عندما رددت «لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا راد لقضاء الله وقدره». لقد تحجر دمعي وهزت الصدمة كياني وتبلد فكري وتجمد الدم في عروقي، نعم إنه والله زلزال من الحزن هز قلبي. أخي أنا لا أرثيك اعتراضًا فنفسي مؤمنة وستذوق يوماً الموت، لكن هناك في قلبي نبضات لم تشبع وتؤلمني حينما تشتاق إليك، أخي أبا عبدالله كنت أنت تعلم قبل وفاتك ماذا فعل بي فقد والديَّ وأخي موسى - رحمهم الله جميعًا - خلال أقل من عقد من الزمن كنت موجوعاً وفراقهم أشقاني وأعياني عندما صدمت برحيلك في غمضة عين، رحلت دون مقدمات ولا حتى توديع «ولا حول ولا قوة إلا بالله». فقيدي الراحل لقد تركت شوقاً لا تطفئه السنين وذكرى لا تمحوها الحياة، فرحمك الله بقدر ما أوجعني رحيلك، لقد اشتقت لك، فرحمك الله بقدر حزني بقدر شوقي بقدر افتقادي لك. عندما قبَّلتُ جبينك واستودعتك الله في جنة الفردوس الأعلى - بإذن الله - كنت احترق شوقًا لرؤيتك، فإن كان الرحيل مقياس وجع فرحيلك قد استنفد جميع الأوجاع، وسيبقى هذا اليوم هو اليوم الأصعب في حياتي، ومن المستحيل نسيانه لأن رحيلك في تلك اللحظات المتسارعة هي من أكثر الأشياء وجعاً لي، فرحمك الله عدد ما هزني الشوق إليك. عندما تسارعت لحظات وفاتك وأغمضت عينيك أمامي وأمام زوجتك وأولادك أدركت تلك اللحظة أن كل شيء انتهى، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال ومهما أوتيت من فصاحة باللسان وصف تلك اللحظات التي فعلاً أعجز عن التعبير عنها وقد تجف الأقلام عن كتابة ذلك المشهد «وإنا على فراقك يا أبا عبدالله لمحزونون». إن ما يخفف عليَّ أوجاعي وألمي وحزني هي تلك السيرة العطرة والخصال الكريمة والسجايا الحميدة وخدمة الناس، لقد كان الفقيد مخلصاً لدينه وملكه ووطنه، يدافع عن وطنه في كل محفل وفي كل قناة من قنوات التواصل الاجتماعي وعبر الإعلام المرئي والمسموع. لقد كنت مطلعاً ومتابعاً لإخلاص ووفاء أخي لوطنه ولملكه من خلال عمله في المديرية العامة لمكافحة المخدرات، حيث كان يشغل منصب مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية ومدير إدارة الشؤون الوقائية بالمديرية، وقد أفادني زميله ومديره المباشر طيلة حياته العملية الأستاذ عبدالإله الشريف مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية بالمديرية العامة بأن المغفور له أخي محمد الغيث قد مارس الإشراف على برامج حج المدمنين المتعافين من الإدمان من عام 1420ه، وقد تابع العديد من الذين مَنَّ الله عليهم بالهداية وتابع برامجهم بالتنسيق مع الإدارات الحكومية ذات العلاقة مثل مستشفيات الأمل والجهات الحكومية الأخرى، وأشرف على الكثير من المعارض التوعوية لمناطق المملكة، وله دور بالمتابعة الشخصية للمتعافين من الإدمان وتطبيق برامج الدعم الذاتي، وكان المنسق بين إدارات المخدرات كافة وكذلك المؤسسات التعليمية في الوقاية من آفة المخدرات. وكان يتابع شخصياً حالات المتعافين من الإدمان من المخدرات مما جعل مرؤوسيه يثنون على جهوده وعلى دوره حيال مجتمعه، وقد تلقى العديد من الشهادات التقديرية من القيادات الأمنية والمؤسسات التعليمية بالمملكة، فعليه رحمة الله وجعل ما عمل في موازين أعماله الصالحة. رحمك الله يا من فُجعنا برحيلك، رحم الله تلك النفس الطيبة التي لا تغيب عن مخيلتي، رحمك الله بقدر شوقنا لك وجمعنا الله وإياك في جنته، اللهم ارحم واغفر لعبدك أخي محمد وتجاوز عنه واجعل ما أصابه كفارة له وأن اجعله من أهل الفردوس الأعلى يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض، تغمد اللهم أخي برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أدخله وأظل والديَّ وأخي موسى تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك، اللهم بيِّض وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، اللهم ثبت قدمه يوم تزل فيها الأقدام، اللهم اكتبه عندك من الصالحين الصديقين الشهداء الأخيار الأبرار، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تتقبل مني دعائي بقبول حسن وأن تجعله خالصًا لوجهك الكريم، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}. ** **