تقول هذه النظرية إن الأزمات الكبيرة لا يظهر منها بالبداية إلا قمة الجبل الصغيرة، إذ يخفي الجليد حجم الجبل الضخم الذي ترتطم به دون أن تراه. وهنا تحدث المفاجأة، وهي التي ظهرت بانهيار العملة التركية في الأسبوع الماضي، ففي يوم واحد فقدت 19% من قيمتها، ولم يكن ذلك نتيجة عقوبات أمريكية محدودة الأثر قياسًا بحجم اقتصاد تركيا الذي تتغنى به الحكومة والذي يتخطى حجمه 800 مليار دولار أميركي. فقد طالعتنا الصحف التركية بعناوين عتب على دولة قطر بأنها لم لا تبالي بالأزمة التركية ولم تتحرك لإنقاذ تدهور عملتها، مذكرة الدوحة بأنها وقفت إلى جانبها في أزمتها مع مقاطعة الدول الأربع لها وكيف سيرت الطائرات المحملة بالمواد الغذائية للدوحة رغم أنها في الحقيقة كانت بأضعاف أسعار ما كانت تستورده قطر من جيرانها وعمقها الحقيقي دول الخليج التي قاطعت الدوحة بسبب دعمها وتمويلها للإرهاب وتدخلها بشؤونها الداخلية. لكن ما يُفهم من «العتب» التركي على قطر هو أن الحكومة التركية تبدو في مرحلة ضعف كبيرة لمواجهة أزمتها المالية، إذ لم نسمع من أي دولة بالعالم تمتلك قوة اقتصادية واجهت أزمة مشابهة أن عاتبت أحد حلفائها على عدم مساندته لها!! ورغم تعهد قطر بدعم تركيا باستثمارات بنحو 15 مليار دولار إلا أن تجاوب سعر الصرف لليرة التركية إيجابًا لم يدم إلا ساعات لتعود الليرة للهبوط مجدداً وتقفل فوق 6 ليرات لكل دولار بنهاية الأسبوع بعد تحسن إلى 5.5 ليرة لكل دولار، لكن الضربة التي ستكون مؤلمة لليرة التركية أتت من خفض مزدوج لوكالتي ستاندر اند بورز وموديز للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا لمستويات متدنية فستاندر ان بورز صنفت ديون تركيا عند مستوى غير استثماري (+B) مع توقع انكماش بالاقتصاد التركي للعام 2019، أما موديز فوضعت نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد التركي. ومن الإشارات التي توضح عمق الأزمة وأنها اقتصادية وقديمة ما قاله وزير المالية التركي قبل أيام إن حكومة بلاده أعدت خطة إصلاحية ستنفذ على خمس سنوات، فلا يمكن إعداد هذه الخطة في وقت قصير، وبما أنها لهذه المدة الطويلة نسبيًا فهذا يعني أن الأزمة كانت متوقعة من قبل الحكومة التركية وليست وليدة لحظة أو مؤامرة خارجية، بل إن بعض المحللين السياسيين الأتراك تبين لهم وفق ما صرحوا به في مقابلات تلفزيونية هذه الأيام أن سبب تقديم الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت قبل شهرين وكانت مقررة في نوفمبر القادم، الخوف من ظهور أزمة سعر صرف الليرة الحالية قبيل الانتخابات مما يعني احتمال تراجع شعبية الرئيس أردوغان، فكيف للاقتصاد التركي أن يحقق لسنوات طويلة معدلات نمو عالية تفوق 7% بينما نسبة البطالة تصل إلى 10% في سوق عمالته وطنية بنسبة تقارب 99% مما يعني أن النمو لم يكن صحياً خصوصاً أنها دولة تعتمد على الصادرات المتنوعة ومع ذلك العجز التجاري مستمر منذ سنوات طويلة ووصل العام الماضي إلى 77 مليار دولار أميركي أي خمسة أضعاف ما تعهدت قطر باستثماره في تركيا. ما خفي من أزمة تركيا يبدو أكبر مما ظهر وستمر بمراحل عديدة سيظهر فيها «انخفاض» بمعدلات الاستهلاك والادخار والإنفاق العام لتقليص العجز، وكذلك تراجع بالاستثمار، إضافة إلى انخفاض بالأسعار وبالمبيعات خصوصاً العقار وكذلك ارتفاع بمعدلات البطالة وزيادة بتصفية الشركات وهبوط بمؤشر البورصة قبل تحسن المؤشرات الاقتصادية وإلى ذلك الوقت غير المعلوم فإن الاستثمارات ستبتعد عن تركيا.