كم مرة وأنت تشاهد مباراة في هذا المونديال وتعدت ساعتها الدقيقة 90 فتوجهت لعمل شيء آخر مطمئناً للنتيجة، وإذا بك تسمع صوت المعلق يعلو ويعلو ثم تسمع كلمة «قوووول» ممطوطة بفعل الانفعال والإثارة والمفاجأة؟.. بانتهاء الدور الأول كان عدد الأهداف بعد الدقيقة 90 متخطياً ل 18 هدفاً، والإثارة حضرت بقوة، شاهدنا سون الكوري يحرز هدفاً في المرمى الخالي بعد خروج حارس الألمان لمنطقة الجزاء الكورية، هدف في الثواني الأخيرة، شاهدنا مباراة رائعة بين فرنسا والأرجنتين فيها 7 أهداف متعة للناظرين، شاهدنا بلجيكا تعود بعد هزيمة بهدفين لتفوز في الدقيقة 94 بأقدام ناصر الشاذلي النصف مغربي نصف بلجيكي.. وبعد أن تعادل مروان فيلاني النصف مغربي أيضاً برأسية للمنتخب البلجيكي الذي يلعب بأكثر عدد من المجنسين في تاريخ كأس العالم وشاهدنا هدف كولومبيا الذي أذهل وأبكى الكثيرين. الإثارة التي حدثت بعدم ذهاب الهولنديين والطليان أصلاً؛ ثم خروج الألمان والإسبان والبرتغال والأرجنتين، وقبل هذا وذاك لا ننسى خروج رونالدو وميسي.. ومعهما جمهورهما المتعصب جداً وخاصة من صغار السن الذين لا يعرفون مارادونا وبيليه ورونالدو الظاهرة.. كل هذه الإثارة رفعت جداً من قيمة المونديال الروسي على المستوى المالي والتسويقي، وأكسبته طابع خاص سنتذكره بابتسامة فيما بعد، الخطوط والألوان، الإخراج التليفزيوني، تقنية الفيديو التحكيمية العجيبة.. العد التنازلي في الملعب بمكبرات الصوت حتى ركلة البداية، الموسيقى والأغاني، الجمهور والتسابق في تنظيف المدرجات بعد المباراة مهما كانت نتيجة منتخبهم.. 10.5 مليارات يورو قيمة لاعبي المونديال فقط، هذا بجانب قيم أخرى كالبث التليفزيوني الذي تخطى 3 مليارات، وقيمة عقود الرعاية للمونديال من 20 راعياً دفعوا 1.3 مليار دولار.. أعلاهم واندا الصينية التي دفعت للفيفا في عقد رعاية مدته 15 سنة من 2016 ل2030 ما قيمته 850 مليون دولار، وأديداس بعقد مشابه مدته 15 سنة.. قيمته 800 مليون أيضاً. إذن كأس العالم: «ذهبي» شكلاً ومضموناً، صناعةً وتسويقاً.. 6 كيلوجرامات من الذهب، وأضعاف ذلك من مليارات الدولارات توزع على من يجتهد في مجاله.. فالفائز بالبطولة مكافأته 38 مليون، ثم مجموع مكافآت للمنتخبات المشاركة كانت قيمتها 20 مليوناً فقط في مونديال 82.. ثم أصبحت في مونديال روسيا أكثر من 790 مليون.. أراك تشفق على فيفا التي تدفع هذا الرقم الضخم، أقول لك انظر لما يدفعه راعٍ واحد من 20 راعياً للمونديال، مثل أديداس.. فهي غطت تكاليف المكافآت؛ التي هي جزء من خطة تسويقية ذكية من الفيفا لتدفع المنتخبات للأداء الفني والتنافس القوي، حتى يحتفظ المونديال بطابعه الفني والدعائي والتجاري الأسطوري، وهو يتطور من نسخة إلى أخرى.. ومعها مداخيل التسويق الرياضي. أخيراً: أشكر بشكل شخصي لاعبي المنتخب الياباني الخاسر في الدقيقة الأخيرة، جمعوا أنفسهم وذهبوا أمام مدرجات جماهيرهم، وقفوا لحظات في صمت، ثم أحنوا ظهورهم، وخفضوا رؤوسهم، في أدب وشكر ووفاء نادر لشعب اليابان، الذي وقف مع منتخب الساموراي المقاتل.. حتى الثانية الأخيرة.. نيمار الزجاجي؛ كل مرة نشاهد نيمار الذي وقع على الأرض صارخاً أكثر مما وقع جميع لاعبي البرازيل منذ تأسيس منتخب البرازيل: أتحسر على برازيل رونالدو وريفالدو وروبرتو كارلوس ورونالدينيو.. بل أتحسر على بيكنباور الذي أكمل مباراة ألمانيا وإيطاليا مونديال 70 بكتف مخلوعة مربوطة بشريط قماشي.. كم للتسويق والتواصل الاجتماعي دور في تضخيم لاعبين، وضرب سقف الانتقالات.. نيمار 220 مليون أيها السادة بينما الساحر رونالدينهو لم يتعد 35 مليوناً طيلة مشواره الرياضي. حكمة المقال: ليس كافياً معرفة كيف تفوز، بل أيضاً معرفة كيف تخسر!!.. شكراً منتخب اليابان.