مُنذ انتهاء عرض الحلقة الأولى من مسلسل «العاصوف» الذي أثار جدلًا واسعًا بين المُثقفين والكُتاب والنُقاد الفنيين والجمهور ينقسمون إلى قسمين: فمنهم من يرى أن مجتمعنا لديه تاريخ أكثر ثراءً من الذي عرضه ناصر القصبي ورفاقه في المسلسل، وهؤلاء تكفل القصبي بالرد عليهم حين قال إن المسلسل يمثل فكرة درامية وليس توثيقاً تاريخياً لتلك المرحلة. أما القسم الثاني فهم أولئك الذين أخذوا على ناصر القصبي وكاتب المسلسل وجود بعض الأفكار السلبية في المسلسل والأخطاء مثل «الزوجة التي تخون زوجها»، فمن وجهة نظرهم أن هذه الأخطاء وإن حدثت في المجتمع فهي فردية ولا يصح مناقشتها، بل إنهم يريدون تلميع القدماء وذكر مآثرهم وبطولاتهم وإبراز صفاتهم فقط. حتى أن البعض استشهد بالكتاب العالميين والأفلام والمسلسلات الأجنبية وكيف أنهم يجاهدون ليرسخوا في الأذهان حقيقة تفوق المواطن الأميركي والأوروبي على غيرهم من مواطني الشعوب الأخرى. وكل هذا القول غير صحيح البتة، فالكاتب حين يُظهر بعض النماذج السلبية في عمله هو لا يقصد جدي وجدك ومن سبقوهم، وإن لم يكن العمل تاريخياً فهو بالتأكيد لا يقصدني أو يقصدك، ولكن ليكون العمل واقعياً فلابد من إظهار الصورة بواقعية أكثر تحتمل وجود الخير والشر في كفتي المجتمع، فلم يحدث أن عاش الناس في مجتمعٍ ملائكي لا تسكن فيه إلا الملائكة. ثم إن أولئك الذين طالبوا الكاتب بوضع الحل مع المشكلة فأقول لهم إن إيجاد الحلول ليست مهمة الكاتب أو الفنان، فمهمتهم تنتهي عند الإشارة إلى مكمن الجرح، وترك القضية ليحلها المسؤول عنها. أما أولئك الذين استشهدوا بالأفلام والمسلسلات الأجنبية فيبدو لي أن استشهادهم لم يكن موفقًا لأنهم رموا بهذه الأدلة دون أن يتابعوا تلك المسلسلات فعلًا. فلولا الروايات الأجنبية والأفلام الأمريكية لما عرفنا أن هناك مشكلة كبيرة ما زالت آثارها باقية في مجتمعاتهم وهي عنصرية أصحاب البشرة البيضاء ضد «الزنوج». فلم نعرف عن وجود هذا التمييز لولا مناقشتهم لهذه القضية في أعمالهم الأدبية والفنية. يظل هناك أمر أخير وهو تناول بعض الجمهور لأي قضية في المسلسل على أنها دعوة لممارسة الرذيلة، وهذا تناول سطحي، فليس من المعقول أن الكاتب يدعو إلى القتل مثلا حين يطرح قصة «قتل» ويناقشها، أو يدعو إلى «السرقة» حين يتخيل سارقًا في عمله الأدبي أو الفني. فلابد من التفرقة بين ما أطرحه للنقاش وما أدعو إليه وأتبناه. ** ** - عادل الدوسري