حدوث القرض الربوي في تبادل حاضر غير آجل، لا يتعارض مع النصوص الشرعية بل تدل عليه. ومتفق مع التعاريف اللغوية والحدود الشرعية الصحيحة للقرض وللربا. فمعنى الظلم والاستغلال موجود في المعاملة الحاضرة، إذا جاء السائل سائلاً لحفنة شعير يطعم به أهله في مجاعة، فشرطت عليه عوضًا حاضرًا ثوره محراثه الذي يحرث به مزرعته، وهو يساوي ألف حفنة شعير. أفلا تُكيف هذه المعاملة على أنها قرض ربوي؟ فقرض الحاضر لا يمتنع مطلقًا، بل كثيرة هي حالاته. فالقرض عملية تبادلية مالية، وتكون بتقديم سلعة أو منفعة مالية بسعر أعلى من سعر سوقها، ليس من زيادة طلب أو شح عرض أو استغلال حاجة فرصة استثمارية، بل مجرد استغلال حاجة استهلاكية فردية حلت بأخيك المسلم. والشرع يشهد لإمكانية وقوع ربا القرض حاضرًا، وعدم لزوم الأجل في القرض. فالقرض باب مخصوص من أبواب البيع. والبيع فيه حاضر وآجل. ولم يذكر الوحي في القرض ربا فضل بتخصيص لأموال محدودة، كما جاء في البيع. فهذا يدل على أن كل الأموال يجري فيها ربا القرض، أكان زيادة حاضرة أم زيادة بالأجل. فوقوع ربا القرض في التبادل الحاضر باستغلال حاجة استهلاكية فردية حلت بمسلم، مُتفق لغويًا مع معنى الآيات المحرمة للربا في أكل الأموال أضعافًا مضاعفة وما أتت به الشريعة من المقاصد في منع الظلم. فاللغة تشهد لإمكانية وقوع القرض حاضرًا. فلا يُفسد معنى القرض لغويًا عدم وجود الأجل فيه. فأصل تعريف القرض لغة هو القطع، من الاقتطاع من المال. ويقال قرض الفأر الجبنة. فليس في أصل الحد اللغوي ما يُلزم بالنسيئة، أي أنه لا زمن متعلقًا في أصل التعريف اللغوي للقرض. وكذلك الربا في اللغة هو الزيادة. فلا مانع لغوياً من شموله لزيادة في قيمة حاضرة. فربا القرض الحاضر هو اقتطاع زيادة قيمة حاجة المقترض. وقوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا}، لا يدل على لزوم الأجل، فالأجل هو الغالب في القرض كما أن الحاضر هو الغالب في البيع. وحكمة تحريم ربا القرض في منع الظلم، هي حكمة مقصورة على القرض دون البيع. فالزيادة في قيمة لشيء استغلالاً لحاجة استثمارية أو ترفيهية ليس بظلم في البيوع، كرفع الأسعار في المواسم. وكذلك الزيادة في السعر من أجل الزمن لا يعتبر ظلمًا في حال البيوع، كما في السلم وبيع الأجل والتقسيط. فالظلم في القرض إذاً، يقع بمعاملة حاضرة أو آجلة. فما من معنى لتحديد النبي النسيئة في البيع دون القرض، إلا لأن الاستغلال يكون في حاجة السائل الآنية الحاضرة، وليست المؤجلة. فالكرب هو وضع السائل الحاضر لا وضعه المستقبلي، وإلا لما أقرضه أحد. فإنما يستقرض المكروب بأمل كشف الكربة في المستقبل. فإن تم استغلال حاجة السائل وتحصيلها حالاً، فبم تُخرَج هذه المبادلة من ربا القرض؟ فلا ينبغي أن يحدد القرض بالآجل فقط، إلا بمُحدد شرعي أو عقلي منضبط. فهل يصح القول بإمكانية وقوع حكم القرض، شرعًا وحكمة وعقلاً، ولغة، في معاملة حاضرة؟ أفرأيتم لو كانت هذه قضية منظورة أمام المحاكم الدستورية، التي تحكم بنص الدستور، فماذا سيكون حكمها؟