القيمة هي منتهى التحريم في الشرع في أي معاملة تبادلية. {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}. ولا ينصرف الفهم إلا للقيمة. وإن كان الالتباس في الفقه قد وقع في باب ربا الفضل في البيوع. ذلك، لأن حديث الأصناف الستة - الأموال الربوية-، اعتبر العدد ولم يعتبر القيمة. وما غاب عن المتأخرين أن الحديث، إنما أتى في حال البيع لا حال القرض. فلا أعتقد أن هناك التباس في أن سداد دين البيع يكون بنفس الوسيلة القياسية ومثلها، عدداً أو وزناً أو حجماً. فلو باعه جملاً بعشرة دنانير يسددها بعد عام، ثم رخصت الدنانير أو غلت، فماله إلا العشرة الدنانير. وأما في القرض فالأمر مختلف، فقصد القيمة في القرض هو غاية في ذاته، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. فالمقرض محسن على المستقرض، وليس الأمر كذلك في البيع والتجارة. فقاعدة فهم سداد الأجل: أن المُقرض يتصدّق أو يتبرع بقيمة زمن استغلال مال معين، لا المال نفسه. كالعارية، يتصدّق صاحب المال بحق استخدامها لا بالمال نفسه. فكل ما يتعلّق من توابع للزمن فيحكم عليه بحكم الصدقة أو الهبة، فلا عوض قيمة فيه. وكل ما يتعلّق بالمال نفسه/ذاته فيحكم به بحكم القرض والعارية فله عوض القيمة عند بذل القرض. ودليل اعتبار القيمة في القرض قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}. ولا ينصرف الفهم إلا للقيمة. وأما من يبيع بالنسيئة/بالآجل، فالبائع قد باع المال وزمنه معه. فحكم السداد يتبع حكم البيع. كل ما يتعلّق بالمال أو الزمن المتعلِّق معه فكله هو في حكم البيع فليس له إلا العدد أو الوزن أو الحجم أو النوع أو الصفة أو أي وسيلة قياس كانت، المتفق عليها. ودليله النص الشرعي في حديث الأصناف، الذي ساوى بين صاعي تمر سيئة وصاع جيدة. وهو الموافق للعقل وسنة السوق الكونية. ودليله النص الشرعي في حديث الأصناف الستة، الذي ساوى بين صاعي تمر سيئة وصاع جيدة. وهو الموافق للعقل وسنة السوق الكونية. فلو باع تاجر سيارة باليورو أجلة سداد ثمنها لعام كامل. وكانت قيمة اليورو الشرائية عند البيع تساوي دولاراً، وجاء وقت السداد وقد نزلت قيمة اليورو، فأصبحت العشرة يورو تأتي بدولار واحد. فالسداد يكون باليورو لا بالدولار، ولو كانت الحالة بالعكس فالأمر نفسه. أي لو زادت قيمة اليورو فأصبح العشرة الدولارات بيورو واحد، فالسداد باليورو كذلك، فالاعتبار بالعدد، وهو نفس مفهوم التحوط. أما إن كانت دلالة الحال تدل على الإحسان والصدقة، كأن يكون المشتري للسيارة - في المثال السابق، قد طلب من البائع الإحسان في موقع تدل دلالته على حال القرض، كأن يأتي في منزله أو متجره للبائع متشفعاً بصداقة أو معروف أو وسيط ونحوه. فباعه السيارة أجلاً، بثمنها حاضراً وهو ألف يورو، مثلاً. فهو متصدق عليه بقيمة الزمن، من باب الإحسان المحض، لا من باب الدعاية وتصريف البضاعة. فهذه معاملة قرض لا بيع. وكانت قيمة اليورو الشرائية عند البيع تساوي دولاراً، وحين جاء وقت السداد نزلت قيمة اليورو، فأصبحت العشرة اليورو تأتي بدولار واحد. فهنا يلزم المقترض سداد ثمن السيارة بما يساوي قيمتها حين ابتاعها، أي يسدده عشرة آلاف يورو، فهي القيمة التي تأتي للبائع المُحسن برأس ماله. ولو حدث العكس، فتضاعفت قيمة اليورو فأصبح اليورو بدولارين، فما للمُقرض إلا نصف قيمة السيارة حين باعها، أي نصف ألف يورو. فالقرض صدقة بقيمة الزمن، ومعاوضة برأس المال. فلا يربح المقرض من الزمن- والتحوط ربح-، ولا يُهضم حقه في عوض قيمة ماله. فهذا التفريق العادل المنضبط الذي يتماشى مع أرقى التشريعات الاقتصادية المعاصرة هو ما علمنا الوحي في حديث الأصناف الستة، الذي اعتبر العدد دون القيمة. هذا الحديث العظيم، الذي حرَّف معناه المتأخرون، فجعلوه من المتناقضات التي تأمر بالربا والظلم، ثم خرّجوه على أنه من تحريم الوسائل، وأنه من المتشابهات، وكل ذلك بتعنتهم في تحريف الفطرة، بخلطهم البيع بالقرض.