أوضح مختص أن المشهد العام في البيئة الاقتصادية التركية ينذر بالكثير من المخاطر على المديَيْن القريب والمتوسط. مشيرًا إلى أن الاقتصاد التركي بدأ يسلك طريقًا غير منضبط، ومتوقعًا ألا تمر الأزمة الاقتصادية دون مصاعب جمة على المواطن التركي الذي فَقَد الثقة في العملة المحلية، وبدأ يفضل عليها الدولار الأمريكي. وقال الخبير الاقتصادي علي الحازمي ل»الجزيرة»: «في اعتقادي إن القوة الاقتصادية لأي بلد في العالم تقاس بمعايير كثيرة، أحدها مدى تحمُّل الاقتصاد الأزمات، وقدرته على امتصاصها. وما يحدث في تركيا الآن هو أن هذه الأزمة أعطت إيحاءات داخلية، سواء على مستوى التجار أو المواطنين، أو خارجية على مستوى المستثمرين الأجانب، بأن الوضع في حالة مقلقة ومربكة لجميع الأطراف. وما زاد هذا المشهد غموضًا هو الصراع والجذب والمد الحاصل بخصوص خفض أو رفع نسبة الفائدة؛ وهو ما وضعها بين مطرقة الحكومة وسندان البنك المركزي». وأضاف: «بالنظر إلى الوضع الراهن فإن الأزمة قد شملت معظم الجوانب الاقتصادية، كانخفاض صرف سعر الليرة أمام الدولار واليورو، وارتفاع نسبة التضخم لأكثر من 10 % بعيدًا عن المستويات المستهدفة للبنك المركز التركي، كذلك ارتفاع عجز الحساب الجاري والدَّين الخارجي؛ ليصل إلى مستويات مرتفعة، بلغت 454 مليار دولار، بعد أن كان 110 مليارات دولار، بزيادة تتجاوز 400 %، وأيضًا بنسبة تصل إلى أكثر من 53 % من إجمالي الناتج المحلي، إضافة إلى ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات؛ لذلك - من وجه نظري - فإن التفاؤل والأمنيات وحدها لا تخلق اقتصادًا مستدامًا، وهذا ما أثبتته كل وكالات التصنيف الدولية التي منحت تركيا تصنيفات ائتمانية متدنية؛ وهو ما سيزيد الأمور الاقتصادية سوءًا من ناحية ازدياد كلفة الاقتراض الخارجي مستقبلاً، وأيضًا إيجاد بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية. وفي ظل هذه المعطيات المقلقة التي تثير حفيظة كثير من المستثمرين الخارجيين أتوقع أن تقوم الكثير من الجهات الاستثمارية الخارجية بتصفية محافظها الاستثمارية في تركيا التي ترى أنه لا مزيد من المغامرات في ظل الأوضاع الراهنة بها. وهنا تكمن الكارثة التي ستؤدي إلى مزيد من التدهور في العملة التركية بشكل خاص، وتعقّد المشهد الاقتصادي التركي بشكل عام، الذي يحتاج الاقتصاد فيه إلى فترات طويلة للتعافي. ونأخذ -على سبيل المثال- دول الاتحاد الأوروبي التي تشكل استثماراتها ثلثي الاستثمارات الأجنبية في تركيا، التي تقدر ب2.7 مليار دولار». وفيما يخص المصارف التركية ذكر أن قروضها وصلت إلى تريليون ليرة، ونسبة الديون المعدومة من هذه القروض مرتفعة جدًّا؛ وهو ما ينذر بحصول انهيار على مستوى المصارف، ويخلق كذلك أزمة ثقة كبيرة. وحسب موقع «دويتشه فيلة» الألماني فقدت الليرة التركية أكثر من خُمس قيمتها (نحو 23 %) في غضون أقل من 5 أشهر، أي منذ بداية العام الجاري، أمام الدولار الأمريكي. وتُعد هذه واحدة من أعلى النسب العالمية في تراجع قيمة العملات خلال الفترة المذكورة. وبهذا الانخفاض وصل سعر الدولار إلى خمس ليرات تركية، مع العلم أن سعره كان نصف هذه القيمة في عام 2015. ووفقًا للموقع ذاته، فإن تدهور الليرة بهذا الشكل السريع والمرعب يعرِّض الشركات والبنوك التركية التي تعتمد على القروض لضغوط متزايدة، يصعب تحملها. مرجعًا السبب إلى نسبة التضخم العالية التي ترفع الأسعار بشكل غير منضبط، وتزيد من حاجتها إلى مزيد من الليرات لاستيراد مستلزماتها بالدولار، والوفاء بأقساط ديونها بالعملة الأمريكية كذلك. وذكر أن قيمة القروض المترتبة على البنوك التركية بالدولار الأمريكي وحدها تقترب من 600 مليار دولار، حسب تقدير أكثر من مصدر، مثل بنوك التسويات والمعاملات الدولية في سويسرا/ BIS. أما الشركات التركية فتقدر قيمة ديونها بنحو نصف هذا المبلغ؛ وهو الأمر الذي يجعل الكثير منها تخشى الإفلاس في حل فشلها في إعادة جدولة ديونها أملاً في أيام قادمة أفضل. ولجأ البنك التركي إلى رفع سعر الفائدة من 13.5 إلى 16.5 في المئة قبل أيام عندما وصل سعر الدولار إلى خمس ليرات. وهذه هي المرة الثالثة التي يتدخل فيها لرفع سعر الفائدة بهدف وقف التدهور.