فقدت مدينة بريدة بالأمس أحد أعيانها ورموزها الوطنية والتربوية والخيرية والاجتماعية، عرفته منذ أربعين سنة خلت، فكان نعم الأب، والأخ، والصديق. رجل نذر نفسه منذ نعومة أظفاره في خدمة دينه ووطنه ومجتمعه على كافة الأصعدة، ساهم مساهمة فاعلة في تطوير مدينته (بريدة)، قولاً وفعلاً، تعاون مع نخبة من أصحابه وأترابه الذين سبقوه إلى الدار الآخرة في المطالبة والمتابعة والدعم لعدد من المشاريع الخدمية فيها، ووجدوا من الدولة -أعزها الله بطاعته- ومن أمراء المنطقة التشجيع والدعم والمؤازرة، حتى وصلت تلك المدينة إلى ما وصلت إليه اليوم من التقدم والتطور في عدد من المجالات التعليمة والصحية والطرق والبلديات وغيرها، وقد ركز جُلَ اهتمامه -رحمه الله - على جانب العمل الاجتماعي والخيري، حيث كان من أبرز من في جمعية البر الخيرية ببريدة وفروعها، وجمعية التحفيظ ودُورِهَا وفروعها، ولجنة الأهالي، ولجنة أصدقاء المرضى، وما أعرف باباً من أبواب الخير إلا كان له فيه مساهمة، أنزل الله البركة في وقته، وماله، وجهده، لا يعرف اليأسُ والإحباطُ إليه سبيلاً، جاد في عمله ومشاركاته، مرتب في حديثه، محترم للآخرين ومشجع ومحفز لهم، مقدر للأعمال والمشاركات، يتعمد تشجيع الناس، والثناء عليهم فيما يعملون ليكون حافزاً لهم على المزيد والعطاء، لا يعنف ولا يغتاب، يستصلح الرجال، وفيُّ مع إخوانه وأصدقائه ومعارفه، فكان نعم الأب والأخ والصديق، ذو رأي حصيف، ونظر ثاقب، واعتدال وتوازن في الأمور وسلامة في التوجه، وديانة وعبادة، مكثر لصيام النوافل والعمرة في رمضان منذ زمن بعيد، باذل للمال في الأعمال الخيرية، بنى مسجداً جوار منزله، وجامعاً كبيراً في حي السلام، وداراً نسائية تحت الإنشاء، ذو بشاشة وكرم، حيث كان منزله من البيوت الكبيرة المفتوحة التي تستقبل ضيوف البلد ومناسباته، ولديه جلسة إثنينية لأقاربه وأصدقائه يسعد بهم ويسعدهم، فقد كانت تلك الجلسة عامرة حتى ليلة وفاته -رحمه الله-. شيعت مدينة بريدة الشيخ الكريم محمد بن عثمان البشر، بكامل أطيافها من القضاة وطلبة العلم والأعيان ورجال التربية والتعليم والطلاب وعامة الناس، يتقدمهم تاج القصيم الأمير المحبوب فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، وهو ممن يعرف لأهل الفضل فضلهم، ولا شك أن رحيل الأخيار يعد خسارة على مجتمعهم وبلادهم، لكن يعزي في ذلك أن أعمالهم باقية شاهدة لهم على حسن عملهم، ولعل الأبناء يكملون مسيرة أهلهم. ونسأل الله أن يعوضنا خيراً عن أبي عثمان ويرحمه ويرفع درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأن يحفظ بلادنا وقادتنا من كل سوء ومكروه، ونقول كما قال الأخيار (اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها)، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. ** **