احتضنت المملكة العربية السعودية القمة العربية التاسعة والعشرين في حقبة لا تقل عن سابقاتها أزمةً، بل إنها تستضيف العرب كلهم، وبلاد عربية مجاورة تهدد أمنها وتتعاون مع قوى إقليمية ضدالمملكة نفسها.. ومع هذا كله وبنفس أخوي حكيم ودهاء سياسي تاريخي تقود هذه البلاد الكبيرة الأمة العربية والإسلامية في مواجة كل التحديات. والتركيز على قضايا الأمة المصيرية تاركةً خلفها صغائر الخلافات وإن عظمت في عين الصغير.. وهذا غير جديد فمنذ أن بدأت الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، والمملكة العربية السعودية مركز النفوذ الإقليمي والعالمي، ومحور القيادة العربية الرزينة والحليمة وبعيدة النظر، الأمر الذي أوجد لسياستها الحكيمة الاتساع الهائل لدى العالم بشكل نموذجي وفرض على الآخرين احترامها والتعاطي معها سياسياً واقتصادياً على المدى البعيد.. إن ما تتطلبه هذه المرحلة هي مجموعة أهداف تكون أكثر اتحادًا وشراكة، ويدعمها انعقاد القمة في ظل نجاح العلاقات بين الدول العربية وهذا بدوره يجعلها أكثر انطلاقاً إلى الاستقرار، وهو بحد ذاته سبب آخر لتعزيز التعاون السياسي فيما بينها، بعدما تعرضت لاستنزاف مواردها واستقرارها الأمني نتيجة ما يُعرف ب»الربيع العربي»، والأزمة الناتجة عن الإرهاب وتنظيم داعش الإرهابي. وما تلا ذلك من تشظيات وولاءات وانكشاف حقيقة بعض المنابر الإعلامية التي تدفع نحو الفوضى والعنف.. ولا بد أن وزراء الخارجية قد قدموا ملفات القضايا المهمة على طاولة القمة وأنهم قد جددوا تأكيد مركزية القضية الفلسطينية التي نالت في هذه القمة دعماً كبيراً من المملكة. وسمى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان هذه القمة بقمة القدس في تأكيد غير مستغرب على أهمية قضية فلسطين لدى القيادة السعودية فهي قضية المسلمين والمملكة قائدة الأمة الإسلامية. ومن أبرز التحديات التي واجهت القمة الأزمة السورية والحوثيون في اليمن، وفي ظل رغبة عديد من الدول العربية في العمل على صياغة مستقبل عربي أكثر قوة وفاعلية وإدانة إيران ودفعها لمليشيات الحوثي وتوجيه صواريخها إلى مدن المملكة. وثمّن رئيس البرلمان العربي دعم خادم الحرمين للقضية الفلسطينية سياسياً ومالياً، وعلى الجانب الآخر، تتمركز الأزمة السورية والتشديد على وجودها داخل حدود الاهتمام، وتصدرت المناقشات أيضاً بصدد سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، والانطلاق نحو توسيع الدائرة لكل الدول العربية التي تعاني من الإرهاب والانتهاكات وبذل المزيد من القرارات للحرص على سلامة أراضيها. ونحن نجد أنفسنا اليوم في مرحلة من الاضطراب وغياب الاستراتيجية الناضجة، خاصة في إيران محور الشر وبعض الدول التي تحارب في عدة جبهات، لوضع أيديولوجية لأنظمتها على خط أكثر تطرفاً ومعيار غير مقبول من الانتهاكات، وفي قمة القدس سيكون العمل على إعادة الأمن والأمان للعراق وسوريا ولبنان وليبيا وكل الدول العربية المنكوبة. وأعظم ما يمكننا الاحتفاظ به للتاريخ أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يضيف إلى أولوياته تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة، وذلك خلال كلمة ألقاها في القمة، حيث قال: «إيماناً منا بأن الأمن القومي العربي منظومة متكاملة لا تقبل التجزئة، فقد طرحنا أمامكم مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان (تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة)، مؤكدين أهمية تطوير جامعة الدول العربية ومنظومتها، ونرحب بما توافقت عليه الآراء بشأن إقامة القمة العربية الثقافية، آملين أن تسهم في دفع عجلة الثقافة العربية الإسلامية». كلمة تستحضر السيادة الدولية وقدرة سياسية حاسمة تمتلك النفوذ إلى مستقبل أكثر أمناً واستقراراً.