بالأمس القريب نشاهد طلعته على صفحات بعض الصحف مباركاً في زواج، أو مواسياً في راحل..، واليوم أخفته طيات الثرى عن نواظرنا بعدما غادر الحياة فجر يوم الاثنين 24-6-1439ه بعد حياة حافلة بالذكر الحسن والعمل المشرف..، وقد أديت صلاة الميت عليه بعد صلاة العصر بجامع الراجحي، تقدّم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وعدد كبير من العلماء والأمراء ومحبيه، ثم حُمل جثمانه الطاهر وووري بملتقى الراحلين في مقبرة حي النسيم..، داعين المولى له بالرحمة، وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق من أجداثهم..، ليوم الحساب، وهذه سنّة الله في خلقه، فالسعيد من إذا خلا مكانه منه لا يخلو ذكره الحسن من قلوب أسرته ومحبيه، فكم من مُردد لهذا البيت في خاطره إذا دخل مسجده أو منزله: ولقد طبع - أبو عبدالله - منذ مقتبل عمره المبارك على هدوء الطبع ولين الجانب وسماحة الخلق، وطيب المعشر، وكانت ولادته عام 1350ه بمدينة الرس، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بأول مدرسة ابتدائية عام 1363ه، وتخرَّج منها عام 1368ه من الدفعة الأولى بتفوق..، بعد ذلك سافر إلى الرياض، وعمل مدرساً بالمدرسة الأهلية..، فترة من الزمن، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية الفيصلية بالرياض، ومكث فيها مدة أربعة أعوام، مع حضوره مجالس العلم لدى سماحة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم وعلى فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، في أوقات فراغه بعد صلاة الفجر بمسجد الشيخ محمد - رحم الله الجميع رحمة واسعة - وفي عام 1372ه ترك التدريس والتحق بالمعهد العلمي، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1375ه. ولقد سعدت بمعرفته في أوائل عام 1373ه عندما انتقلت من دار التوحيد بالطائف إلى السنة الثالثة بالمعهد، فأبو عبدالله - يرحمه الله - زميل دراسة وإنما زميل الفصل أخوه صالح بن حمد - متعه الله بالصحة التامة -، وكان الشيخ الفقيد أثناء الدراسة مقدراً للوقت، حتى أنه أحياناً يستغل وقت الفسح الطويلة برصد بعض الفوائد التي يتفوه بها بعض المعلمين توسعاً خارج المنهج ليأنس بها في قابل أيامه..، ثم واصل الدراسة بكلية الشريعة، فنال الشهادة العالية بها عام 1379ه وقبل تخرّجه بعام واحد تم تكليفه بالتدريس في المعهد العلمي بالمجمعة، حيث إن المعاهد تحتاج في ذلك الوقت، ومكث فيه قرابة عام واحد، ثم انتقل مدرساً بالمعهد العلمي بالرياض بعد تخرّجه من كلية الشريعة عام 1379ه، وفي عام 1381ه انتقل للعمل في ديوان المظالم مُتدرجاً إلى أعلى درجات السلم الوظيفي حتى أصبح رئيساً لديوان المظالم مدة أكثر من ثلاثين عاماً، حتى تقاعد حميدة أيامه ولياليه - رحمه المولى - ، والذي لفت نظري وحزَّ في نفسي وأثَّر فيها كلمة التأبين بهذه الصحيفة يوم الثلاثاء 25-6-1439ه التي أفرغها أخوه البار الأستاذ خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، من عصارات قلبه ومهجته مُشربة بدمعات حَرّى تحسراً على رحيل أخيه المفاجئ، فلا يسعني الآن إلا التمثّل بهذا البيت مطمئناً ومُسليا له ولأسرته: كان الله في عونه وعون أسرته كافة، ولي معه -رحمه الله- بعض الذكريات التي لا تغيب عن خاطري مدى العمر، ومنها دعوته وتكريمه لي منذ عقود طويلة من الزمن في مزرعته الرحبة ملتقى أسرته وزملائه وأحبته..، وغيرها من المناسبات، وذكريات أيام الدراسة الجميلة معاً، فمعظم زملائي بدار التوحيد بالطائف وبالرياض من أبناء منطقة القصيم، وأكثرهم من محافظة الرس، فالمجال لا يتسع لسرد أسمائهم، -رحم الله من غاب عنا منهم، وأسعد من بقي منا على قائمة الانتظار-، راجيين المغفرة وحسن الختام: رحم الله الزميل الفقيد معالي الشيخ منصور بن حمد المالك، والهم إخوته وأبناءه وحرمه -أم عبدالله- وبناته وأحفاده، ومحبيه الصبر والسلوان. ** ** عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء