أكد محلل السندات ب«الجزيرة» محمد خالد الخنيفر، أن أحداثاً يمكن وصفها ب «الاستثنائية والنادرة» عاشتها أسعار الفائدة السعودية بين نظيرتها الأمريكية وبين قرارات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» «البنك المركزي» التي توالت علينا تباعاً في الأيام والأسابيع الماضية، أحداث لم تأخذ حقها من قبل الإعلام في شرح تبعاتها على قطاع الأعمال والأفراد نظراً لطابعها الفني الدقيق. حيث يُكتفى بنقل الخبر من دون تقديم التحليل العميق والمتخصص لتبعاته، ففي يوم الأربعاء الماضي ودعت المملكة عهد معدلات الاقتراض بالفائدة المنخفضة (بسوق النقد القصيرة الأجل) واستقبلنا حقبة أسعار الفائدة المرتفعة وذلك في اللحظة التي وصلت فيها أسعار السايبور إلى 2 % (نحن نتحدث عن مطابقة فعلية بين فائدة اقتراض السايبور للثلاثة أشهر ومعدل اتفاقيات إعادة الشراء!.) ولكن كيف وصلنا لهذه المرحلة؟ الخلفية وقال الخنيفر: إنه بحكم ربط العملة فالمفترض أن تقتفي الفائدة السعودية نظيرتها الأمريكية ولكن فعلياً فإن هناك من يطالب بعلاوة سعرية نظراً لتفاوت مخاطر الاقتراض بين اقتصاديات الخليج ونظيرتها الأمريكية. ولكن فترة انخفاض أسعار النفط أثبتت أن ربط العملة لم يحمنا من التفاوت الواضح في أسعار الفائدة بين الخليج والولايات المتحدة.. الجميع يتذكر في 2016 كيف كان النظام المصرفي السعودي يواجه أزمة سيولة بسبب تدني أسعار النفط وكانت «ساما» تكافح لمنع ارتفاع أسعار الفائدة أكثر من اللازم.. بعدها أسهمت الإصلاحات الاقتصادية (التي من أهمها تقليص عجز الموازنة الحكومية) في وفرة السيولة الفائضة بالقطاع البنكي، الأمر الذي أسهم في انخفاض أسعار الفائدة السعودية. تلك «الضغوط النزولية» على أسعار الفائدة تعززت بعد عمليات الاقتراض الخارجية للدولة (التي خففت الضغط على السيولة المحلية) وتقلص الطلب، في نفس الوقت، على القروض الخاصة بالقطاع الخاص. وأضاف: «في 5 مارس قررت «ساما» إيقاف العمل باتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) لآجال سبعة أيام و28 يوماً و90 يوماً. وفي 15 مارس رفعت ساما أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 0.25 نقطة مئوية وذلك برفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء من 200 نقطة أساس إلى 225 نقطة أساس (الريبو هو سعر الفائدة الذي تودع به البنوك الأموال لدى البنك المركزي، ورفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 150 نقطة أساس إلى 175 نقطة أساس.. نلاحظ أن الفارق بين الريبو والريبو العكسي يصل إلى 50 نقطة أساس وأي انخفاض أكثر من هذا يعني أن البنوك قد لا تتشجع للاقتراض من بعظهم البعض. الهامش السلبي وعلل الخنيفر وصفه هذه الأحداث بالنادرة «بسبب نزول أسعار فائدة سوق النقد القصيرة الأجل إلى ما دون الأسعار الأمريكية للمرة الأولى في تسع سنوات، الأمر الذي أوجد ما يصفه الاقتصاديون بالهامش السلبي (نيقيتف سبيرد) والذي ما زال مستمراً منذ 3 أسابيع.. لاحظ أن سعر الفائدة السايبور (في 15 مارس) كان منخفضا 13 نقطة أساس عن نظيره الليبور (2.14 %). وتابع: تاريخياً فهذه «التشوهات» في أسعار الفائدة ليست مستقرة.. ففي نهاية 2016، كان معدل الفائدة السعودية مرتفعاً ب104 نقاط أساس فوق معدل الفائدة الأمريكية. المصلحة العامة قد يتساءل البعض (ممن لديهم قروض بفائدة متغيرة تتبع حركة السايبور) أن من مصلحتهم أن تكون أسعار الفائدة السعودية منخفضة ولا تلحق بنظيرتها الأمريكية. ولكن من يقول ذلك عليه ألا يفكر بمصلحته الشخصية وينسى أن هناك مصلحة عامة «حسب رأي الخنيفر»، ومن أجل تقدير الإجراء الذي قام به البنك المركزي، دعنا الآن نحدد ما كان سيحصل لاقتصادنا في حال استمر الهبوط الحاد لأسعار الفائدة السعودية مقارنة مع الأسعار الأمريكية. 1/ لن تقوم البنوك بإقراض العملاء لكون فائدة الاقتراض المحلية منخفضة وسيفضلون الإقراض بالعملة الدولارية. 2/ من الصعب جذب المستثمرين المحللين والأجانب للاستثمار باقتصادنا في ظل استمرارية الهامش السلبي. ببساطة فالإجراء الاستباقي من مؤسسة النقد قد أوقف نزوح التدفقات الرأسمالية من السعودية وسيعزز من قدوم التدفقات الرأسمالية إلى المملكة. 3/ كانت الودائع المقومة بالريال (التي عليها عائد) ستتحول للعملة الدولارية. وعن الدور الحكومي، أكد الخنيفر أنه سيسهم في تخفيف أثر ارتفاع أسعار الفائدة. وقال: «سننظر كيف سيتعامل قطاع الأعمال مع ارتفاع أسعار الفائدة، خصوصاً على المؤسسات التي تتأثر كثيراً بتحركات أسعار الفائدة.. ففي أواخر السنة الماضية تم اعتماد 72 مليار ريال، لإطلاق خطة تحفيز القطاع الخاص، والتي تأتي في إطار الخطة الشاملة لدعم وتحفيز القطاع من خلال حزم تحفيزية تقدر ب200 مليار ريال على 4 سنوات، ومن ضمن أهداف تلك الحزمة دعم الإقراض غير المباشر لقطاع المنشأة الصغيرة والمتوسطة بمبلغ مليار و600 مليون ريال.. أما بخصوص الأفراد الذين اقترضوا بفائدة متغيرة، فلقد اقترحت مؤسسة النقد قبل 6 أشهر بعض الحلول التي من ضمنها أن تخاطب البنوك من تعثروا بقروضهم العقارية وذلك عبر تحويل العقد المتغير إلى عقد تمويل بتكلفة ثابتة. ما هو السايبور؟ تستعين البنوك السعودية بمؤشر السايبور عندما تحاول الاقتراض من بعضها البعض. والسايبور هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية لثلاثة أشهر. وتعد أسعار السايبور بمنزلة العمود الفقري الذي تقوم عليه قروض الأفراد والشركات وكذلك السندات السيادية بالسوق المحلي فعلى أساسها، يتم تحديد الفوائد / الأرباح التي يدفعها المقترضون للبنوك. وتتم عملية احتسابه بعد أن يقدم 15 بنكاً سعر الفائدة ويتم بعدها حذف أعلى وأقل رقمين ومن ثم ننتهي بمعدل نسبة الفائدة. مع العلم أن انخفاض السايبور يعني انخفاض المخاطر وتوفر السيولة وزيادة ثقة المصارف ببعضها عند الإقراض فيما بينها. وعندما ترتفع معدلات السايبور، يرتفع كذلك الهامش الربحي للبنوك التي قدمت قروضاً لعملاء بفائدة متغيرة. وحدهم العملاء الذين اختاروا الفائدة الثابتة يصبحون بمأمن من تقلبات أسعار الفائدة.