تدلف إلى المتجر الذي ألفت فيه عطورك المنتقاة, أو ملابسك المناسبة ذوقَك, أو كتبك, وأوراقك, وأقلامك التي تحتاج إليها, أو الأغذية التي تثق في وفرتها, وتنوعها, أو الأثاث الذي تضمن جودته, أو.. أو.. وفيه قد عرفت بائعيه, وتمرست على حسن استقبالهم, وبشاشة وجوههم, وسرعة خدمتهم, ومعرفتهم لذوقك, يدلونك على مقتنيات المتجر الجديدة التي تتفق معه, فتجدهم قد تشربت ابتساماتهم بدكنة حزن, وعلت جباههم أسئلة حيرة, وكأنهم أبناؤك تسألهم عن الأمر... ثم تتذكر أن أياماً قليلة, بينهم, ومغادرتهم المكان بحضور مواطن في مكان عملهم.. سنوات, وقد طالت ببعضهم, وهم يعملون.. لكنهم يبادرونك بالإجابة: هذا الذي كان لابد أن يتم منذ زمن طويل.. «المواطن من حقه أن يحل مكاننا, فهو مكانه الأساس»!!.. غير أن في هذه العبارة تكتنز التأملات الفارقة, المارقة بين حدي «الأحقية», و»الإنسانية», بكل ما تحمله كلاهما من مكتنز الشعور الصافي نحو الإنسان المواطن, والإنسان غير المواطن.. كلهم يدركون الحق للمواطن في أن يأخذ مكانه في كل منصة عمل باختلاف مجالاته.. وإن المواطن بعد أن أفرط في الدعة, واتكل على غيره, وتخلى عن مسؤولياته, وأعانه التاجر, ورئيس الشركة, ومدير الدائرة وكل ذي قرار لأن يقف دوره في مجتمعه على أن يتعلم, يأكل, يشرب, وينام, يسافر, ويشتري, ويضحك, وينام, يقتني, ويصرف, ويلهو, وينام... فإن اليوم لا وقت له للرفاه المفرط, ولا الاتكال على غير النفس في العطاء قبل الأخذ. يبقى كل التقدير لكل من وقف في منصة بيع, واستقبال, وباب, وإجابة, وإعانة, في مختلف المهن ممن غادروا, أو في سبيلهم لأن يفعلوا, ممن سيتكبدون فارق المعيشة بين هنا, وبين المحطات التي سينزِلون بها رحالهم, قبل أن يتأقلموا فيها, ويجدوا مصادر رزقهم, أولئك الذين عاشوا بيننا كأنهم أبناء الوطن, ولم يعرفوا لهم وطناً آخر, أو عرفوا لكنهم مقبلون على غربة لم يعهدوها, أو عهدوها لكن مجتمعاتهم تئن بحربها, أو هم سوف يئنون من غربتهم فيها.. تحية لكل من سَلَّم مفتاح عمله بيد مواطن, ولمن سوف يفعل حين يحل مكانه مواطن طموح.. ولسوف ننتظر هذا المواطن الذي يملأ المكان جِدّا, وجَهدا, بسلوكٍ راقٍ, وتعاونٍ مخلص, وأداء مهني مميز, ولسوف تمنحه الخبرة, والدربة المزيد من مزاياها, وعطاياها, استجابة للواقع, فالمتوقع منه لن تتحقق أهدافه, ويبلغ غايات هذه الأهداف من لا يتخذ من مهنته جسراً لبناء شخصيته, متى نفض المواطن عنه «عادة» الاتكال, إلى ركض العصامية, والاستقلال الذاتي.