هذه رسالة وصلتني من صديقي زيد فأحببت نشرها بعد أن أخذت الإذن منه. أوه عزيزي فهيد أمس جاءتني رسالة من سليمان يقول إنك مرسل له كتاب تثني عليه وتقول له إنك استمتعت بقراءته عنوانه (سمكة في الصحراء)، هل سمح لك الطبيب بالقراءة؟ الله يبشّرك بالخير يا لعزوة.. كنت أظن أنه سيحرمك من القراءة على الأقل ثلاثة أشهر.. على كل حال أنا اجتمع عندي مجموعة كتب حلوة ورائعة ولكن عندي لك الآن كتاب يهبّل يمين القطع يا فهيد قرأته واستمتعت فيه إلى أقصى مراكز المتعة.. عنوانه (العاشرة والنصف عصراً) ممتع جدا مؤلفه بريطاني اسمه جيمس بد عن ذكرياته في مدينة عنيزة من عام 1965 يوم وصوله إلى عام 1970 يوم رحيله، ترجمه الدكتور جاسر الجاسر أبو سامي تدري يا فهيد إني كنت مشتاق له قبل ما يُطبع.. قل لي ليش؟ تدري يا لعزوة مكتب الدكتور جاسر عند مكتبي وأظنه قرأه سبعين ألف مرة وغاص فيه قبل ما يترجمه ودايما يدعيني ويحكي لي عنه.. تدري وتعرف يا فهيد الدكتور جاسر من عنيزة ويعرف هذه الفترة بشكل جيد ولذلك كأن هذا الكتاب فتح له صفحات مطوية في ذاكرته، لذلك كانت ترجمته رائعة جدا جدا يا رجل كأنه هو اللي يؤلف الكتاب كأنه يقول هذا كتابي.. تعرف يا فهيد ما أحد غاصبه على ترجمته أنا متأكد يا رجل أنه كان غارق في متعة الترجمة.. تعرف يا فهيد الترجمة عكظه وعَسْرة كأنك تكسّر صخر بعتلة.. ياما حاولت وعجزت.. يا ابن الحلال أخذت مرّة كتاب ألماني ما أدري شلون قايل يناقش فترة زمنية من حياة ألمانيا مختلطة فيه الفلسفة والسياسة والتاريخ والاجتماع وعلم النفس.. يا فهيد قعد عندي سنة ونصف وأنا أحاول أترجم فيه لو فصل وعجزت، كل ما ترجمت فقرة قلت يا ربي لك الحمد انفرجت يا ربي تيسيرك وإذا قرأت اللي بعدها لقيت ترجمتي وين وين بعيده عن الصواب، يا رجل كأني أنتش لحمة هرش.. عجزت.. رحت لأستاذ في الجامعة يُدرّس الأدب واشتكيت له أمر الكتاب فأخذ الكتاب وطالعه واستغرق في الضحك وقال لي وهو يضحك هذا الكتاب يا زيد صعب على الألمان، وكأنه أراد أن يقول لي لو تجلس في ألمانيا تسعا وتسعين سنة فلن تفهمه، هذا الكتاب يا زيد موضوع للخاصة والمتخصصين من الأساتذة.. واقترح عليك أن تتركه وأن تأخذ في ترجمة قصة من القصص على الأقل أنت قارئ قصص مثل ما اتضح لي.. فأخذت بنصيحته يا فهيد وفتشت بين القصص فأخذت قصة كانت تروقني جدا تحكي عن الألمان بعد الحرب مباشرة.. ولكن المشاكل في الترجمة لا تنقطع ترجمت ثلثها ولكن لما عاد الجندي إلى بيته بعد غياب طويل جدا وشاق وفتح الاب لأول مرة وجد والده نائما على الكنبة وبقي هو واقفا يتأمله.. هنا خرجت وانحرفت الترجمة لأني تذكرت والدي قبل سنوات مديدة وأنا صغير جئته منطرحا ومتوسدا ذراعه تحت النخلة يفتح عويناته ويغلقها، وشويهاته ترعى حوله هذه اللحظة عالقة في روحي لأني كنت وما زلت ودّي أعرف في أي شيء كان يفكر بالمستقبل؟ بالماضي؟ بالوالدة؟ .. المهم خرجت عن النص الأصلي وصرت أكتب عن الوالد فاكتشفت أني ما أنا من أهل الترجمة.. الترجمة لها أبطالها.. ولذلك أقدّر غاية التقدير المترجمين... الدكتور جاسر يا لعزوة كان غارقا في متعة الترجمة ربما بحكم موضوع الكتاب وأكاديمي ميّه بالميّه.. ومثل ما تعرف الأكاديمي منضبط جدا... موضوع الكتاب عنيزة.. وعنيزة مدينة طروبه.. ثلاث مدن عندنا طروبه وتُطْرِب وادي الدواسروعنيزة وحايل وأنا أحب المدن الطروبه... في زمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كان فيه واحد من أهل البيت غارق في الغناء والطرب وله أخ تقي جدا فنصحه ملايين المرات وقال له عيب عليك حنّا من أهل البيت ولا يليق بنا ما تفعله، ولمّا يئس الأخ من أخيه راح لمعاوية وشرح له مصيبة أخيه وقال له هذا بناخيك ودّي تروح معي وتنصحه لعلّه ينتصح يا أمير المؤمنين، فذهب معاوية إليه فعلم أحد الخدم وأخبر الرجل الطروب بأن موكب أمير المؤمنين مقبل إلينا، فأخفى الرجل الجواري المغنيات والطبول والأعواد وكل الآلات الأخرى ورحب بأمير المؤمنين، وأخبره معاوية بأن ينادي على الجواري ويتركهن يغنين فاستجاب له وغنت الجواري من وراء حجاب فطرب معاوية - رضي الله عنه - وصار يطق بقدميه على الكرسي، فانثنى عليه الأخ التقي وقال له يا أمير المؤمنين أنا داعيك تنصح بناخيك وأشوفك طربت ! فرد عليه اسكت اسكت كل كريم طروب، ثم التفت على الطروب وقال له والله لو ما أنا مشغول بقضايا المسلمين لجيت عندك كل يوم واستانسنا... عنيزة مدينة طروبه دايما ودّي أزورها ويعلم الله إني كل ما طلعت من الرياض متجه لحايل أقول في نفسي أبي أمرّها لكن ماش يصير الوقت غير مناسب أو معي أحد، فأقول في نفسي وأنا راجع إن شاء الله ولكن ما يقسم الله... في نفسي شوق عظيم لها.. سكن فيها أخوي وهو يدرس في الجامعة.. استأجر هو وصديقه بويت من أجودي رائع .. يقول أخوي كل يوم تقريبا غدانا وعشانا عن ده وأحيانا يرسله لنا، أحسسنا إننا تورطنا معه لأنه يراقبنا لا تسهرون يقول لنا البارح أشوف نوركم والع وانا رايح اصلي نيموا يا عيالي الليل للنوم وجعلنا الليل سباتا.. يقول لي يا فهيد مرة جاءت أمطار فزرقنا الجامعة وخيّمنا أنا وخوياي أسبوع ويوم رجعنا لقيناه واقف عند الباب زعلان إلى آخر حد ويخانق تتركون دراستكم انتم جايين تدرسون والا تخيمون انتم جايين من حايل ناقصكم برّ! هالحين أهلكم يحسبونكم تدرسون إذا تبون البر ارجعوا لحايل اقعدوا عند أهلكم واطلعوا للبر... كان زعلان يقول أخوي سكتنا من الحيا ودخلنا البيت، وعقب ساعة ارسل لنا ولده يدعينا ولما جيناه قهوانا واعتذر وقال أبي مصلحتكم يا عيالي تعرفون إذا كل ما أمطرت طلعتوا وخيمتم فعز الله ما انتم ناجحين... أحببت عنيزة من أحاديث اخوي الكثيرة عنها وعن أهلها... لذلك ما استغرب أن مؤلف الكتاب جيمس جلس فيها خمس سنوات.. لا تنسى أنه بريطاني.. ذكر موقف طريف في كتابه يقول عزمني واحد على العشاء وكان العشاء جريش وكان ثقيلا ولا استسغته ولا ودّي يظهر ذلك لصاحب البيت والضيوف، فقلت له هذه أحسن أكلة مرّت علي في حياتي فشاع في عنيزة أن أفضل أكلة عند جيمس الجريش فصاروا يعزموني على الجريش، فشعرت أني واقع تحت عذاب شديد وكان إذا أحدهم عزمني على العشاء تكون أول ردة فعل صادرة من معدتي فتنقبض كأنها تريد أن تهرب... من الأشياء الممتعة لما تظهر الحشرات إذا دخل الصيف يذكر أن بيته تدخله حشرات لها سيقان طويلة وأجنحة تطير وتصطدم براسي بالمصباح ولما تبدأ هذه الحشرات تزور بيتي أعرف أنها طليعة جيش سيأتي غدا أو بعد غد من النمل والخنافس والعقارب وغيرها... عزوتي فهيد قبل أن أبدأ بقراءة الكتاب قلت في نفسي الله يسامحه جيمس ليته زار حايل وكتب عنها مثل هذا الكتاب.. ولما قرأته يا عزوتي وجدته يتكلم عن حايل صدقني فقط شل اسم عنيزة وحط حايل وغير أسماء الناس بأسماء انت تعرفهم ما فيه اختلاف والحياة الاجتماعية نفسها.. يا رجل عنيزة في هذا الكتاب هي من جيزان إلى تبوك ومن الأحساء إلى ينبع صدقني خاصة في فترة الكاتب 1965 - 1970 ... على فكرة كم عمرك يا فهيد يوم يجي جيمس لعنيزة أظنك أبو سنتين حسب ظني... أنا ما أدري سألت الوالدة عن مولدي قالت يوم نركّب المكينة قلت متى ركبنا المكينة قالت يوم خَنْقَة الفلان مع الفلان قلت لها يمّه يوم يجي جيمس لعنيزة وأنا كم عمري قالت انت جذيع تركّض.. الغالي فهيد اقرأ الكتاب فيه أشياء جميلة جدا.. إذا ما هو موجود بالمكتبة أنا أرسل لك نسختي... حفظك الله ورعاك وحفظ لك شوفك (بس انتبه لعويناتك وانتبه من الجوال تراه أسوأ شي على العيون)، على طاري الشوف والعيون فيه قصة جرت لعمي الله يرحمه ويغفر له ما هي طويلة ولكن أتركها لرسالة ثانية... أخوك زيد كتبت هذه الانطباعات كما اعتدت أن أعبر عن انطباعاتي متجهًا لعامة الناس لا للمتخصصين ؛ فعسى أن تقبلها الثقافية وتتقبلوها. ** **