وعمري ليس إلا أغنية من وجع، وأشباح حزن وديعة، تعبر صدري منذ النيّة الأولى في جذور إنسانيتي الصريحة، إلى آخر ما يكحت جذع أفعالي من حماقات طبيعية تلائم طبيعة ابن آدم الخطاء، وليس أمام البسطاء خيارات كثيرة سوى سبر الطرق الوعرة للهرب، أياً كان نوع الهرب، وحيثما كانت اتجاهاته، إلا أن كل المسافات تخبئ في أطرافها القلِقة أوغاداً يعترضون سبل الهاربين، ويقطعون دروبهم، فينبشون أحلامهم، ومتاعهم من الذكريات المطوية في (بُقشة) الروح. لم أُجرب يوماً سبر المسافات ترفاً، ولم أعبرها بمعزل عن إنسانيتي الأولى، وأنا على هذا المنوال من الترحال الهارب، منذ عشرة قرون من القصائد غير الفاعلة، والترانيم المهزوزة، ونفسي المُستَفزَة لا ترمي بكل انفعالاتها إلا في الأماكن القاحلة، الجرداء من كل فعل يحتمل الأوجه المخالفة للنيّات المباشرة والفصيحة، حتى بلغت من الركض زوايا جديدة، بمقاسات غير معلومة، وعرفت اتجاهات لم تحفرها الجغرافيا في ذاكرة إنسان قبلي، ولم تدونها الخرائط المزعومة، بل اكتشفت زمناً خارج التوقيت، وخارج حدود الوعي والإدراك البشري، كل ذلك كان في غمرة ركضٍ خائف من اللاشيء القادم. ها هي الآن مسافاتي الاستوائية، تُشعل في صدري جذوة الحنين، أقطع حرارتها والصدى البارد يعبر فراغاتي الروحية، ويردمها بطنينٍ مزعج، وأنين مؤلم، وضمير خافت، وخوف نبيه جداً، يُعربد فوق أرضية تيهي بما يظلل شكل النهايات، ويجللني بخطيئة مبررة، تجعل هروبي بحد ذاته مواجهة دامية وخاسرة، وأنا الذي لا أختار المواجهات بقدر ما تختارني وتضعني في ناصية الحرب. - عادل الدوسري [email protected] @AaaAm26