من اللوحات التي لازالت عالقة في الذهن من السنين الماضية لوحات الأندية الرياضية، والعبارات الجميلة المذيلة تحت اسم النادي وبخط جميل «رياضي.. ثقافي.. اجتماعي». هذه العبارات لم تكن مجرد لوحة كتبت بخط جميل وزركشت ونقشت بألوان النادي بل هي مضامين حقيقية لما كانت الأندية الرياضية تقوم به من مهام ومسؤوليات في خدمة المجتمع في المناسبات والمواسم، فكان فيها المحاضرات الثقافية وشباب الكشافة الذين يسهمون في خدمة المجتمع، وتشارك الأندية في تنظيم أسابيع التوعية الخدمية، ويزيد عليها الأندية الصغيرة اسماً والكبيرة في خدماتها والواقعة في القرى والمدن الصغيرة حينما تنظم حفلات الأعياد لأهالي البلدة، ويتفانى جميع من في البلدة في الإعداد والتنظيم والحضور إدراكاً من الجميع لمسؤوليتهم الاجتماعية. والأندية الرياضية أكاد أجزم أنها سباقة في تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية وإن تلاشى دورها في هذا الوقت أو قل عن ذي قبل. تذكرت هذه اللوحات ودور الأندية في خدمة المجتمع بعد أن قرأت عن مبادرة نادي الهلال الأخيرة بالتنازل عن دخل مباراته الماضية أمام الشباب لجمعية «الإرادة» وهي تفعيل لاتفاقية الشراكة التي وقعها سمو رئيس نادي الهلال الأمير نواف بن سعد مع رئيس مجلس إدارة جمعية «الإرادة» د.عمار بوقس. وهذه المبادرة من نادي الهلال تعزز ثقافة المسؤولية الاجتماعية وفي مقدمتها الخدمات الإنسانية والجوانب الاجتماعية. ونادي الهلال كما هو زعيم المجال الرياضي، فهو زعيم في الأنشطة الاجتماعية والانسانية حيث سبق أن حقق جائزة أفضل ناد في العالم في مجال المسؤولية الاجتماعية، وذلك في منتدى الإبداع والابتكار الاجتماعي العالمي Sigef 2015، والذي أقيم في مدينة جنيف السوسيرية بمشاركة 500 مبدع في الأعمال الخيرية والمسؤولية الاجتماعية من جميع دول العالم، كما سبق أن تم اختياره كممثل للمنظمة العالمية «اليونسكو» بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولنادي الهلال الذي يعد أول ناد سعودي وعربي يؤسس إدارة المسؤولية الاجتماعية» له أكثر من 14 برنامجا فاعلا تشمل كافة فئات المجتمع وجميع الأعمار من خلال الزيارات والحملات الإعلامية للعديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وإقامة عدد من الملتقيات والأنشطة الاجتماعية والثقافية، وسعت إدارة الهلال لتفعيل دور النادي اجتماعياً وثقافياً وفق رؤية منهجية وبرامج اجتماعية وتنمية مستدامة تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع السعودي المسلم إقليمياً ودولياً، وذلك وفق ما يؤكده المسؤولون في النادي». ومن أبرز البرامج التي قدمتها إدارة المسؤولية الاجتماعية بالهلال برامج مساعد طبي، وإرادة، ودعوة إلى الخير، وبرنامج كرة القدم لأطفال متلازمة داون، وتعليم السباحة للمعاقين، وكرسي نادي الهلال لأبحاث التطور الرياضي، ومحاربة التعصب، وبرنامج الهلال الرمضاني، وجامعة الهلال، وبرنامج الهلال الأكاديمي، وبرنامج أبنائنا، وفريق الهلال الثقافي، وبرنامج وجبة، وأمنية مريض، واسرتنا، وتهادوا تحابوا، وصندوق العاملين، ولفتة اللاعبين في فريق كرة القدم تجاه العمالة في النادي، وملتقى الهلال للتوظيف، وبرنامج رجال الزعيم، إضافة إلى توزيع الآلاف من القمصان للأيتام والمحتاجين، وغير ذلك من البرامج المتنوعة. وأعجبني حديث مدير المسؤولية الاجتماعية حينما قال: إن برامج المسؤولية الاجتماعية التي يقوم بها نادي الهلال ليست هدفا بل خدمة تقدمها للمجتمع كواجب من واجبات النادي الأساسية، ولسنا كالشركات التي ترغب في تحسين الصورة، ولكننا نعلم أن خدمة المجتمع تبين الوجه المشرق للنادي وأنه رياضي ثقافي اجتماعي. نعم، هكذا نريد أنديتنا، وإننا إذ نتطلّع من هيئة الرياضة أن يواكب عمليات الإصلاح والتصحيح تفعيل المسؤولية الاجتماعية في الأندية الرياضية، وتحقيق واحد من أهداف النادي الذي سيكون له الأثر الجلي في المجتمع، وليسهم إسهاماً فاعلاً في التنمية الاجتماعية، وفتح أبواب النادي لكل فئات المجتمع من الذكور والإناث، الكبار والصغار. إن المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد دعم مادي فقط بل هو تسخير كافة الإمكانات المادية والعينية والمعنوية لدى أي مؤسسة عامة أو خاصة في خدمة المجتمع وبذلها له، والقطاع الخاص كالقطاع العام شريك في هذه المسؤولية، سواء في الاستثمار في المورد البشري أو حتى الدعم المادي، ولكن للأسف معظم الشركات والمؤسسات نفقد مشاركاتها الاجتماعية وإسهاماتها في خدمة المجتمع، وليس لدى الشركات وجهات الإشراف عليها في قطاع التجارة والغرفة التجارية أي استراتيجية للمسؤولية الاجتماعية، وليس لدى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهي القطاع المسؤول عن سوق العمل وعن الشؤون الاجتماعية أي مبادرات مشتركة، ولا حتى استراتيجيات وخطط تشجع هذه المؤسسات على تقديم مشاركتها الوطنية والمجتمعية، ولا يوجد أي تعزيز للمبادرات من هذه الجهات مما أسهم في تراخي المؤسسات والشركات عن القيام بدورها، ولابد من إحياء وترسيخ مبادئ المسؤولية الاجتماعية من واجب ديني ووطني. والإسلام حث على كل ما من شأنه تكافل المجتمع، وحث على التعاون وبذل الخير، والواجب الوطني يحتم على أن يشارك كل بما يستطيع فرداً كان أو مؤسسة مما لديه من قدرات وإمكانات، وأن يسهم الجميع في تنمية المجتمع ونهضته وبناء الحاضر والمستقبل. هناك مؤسسات صغيرة ورجال أعمال ومؤسسات تجارية قدموا ما لم تقدمه بنوك وشركات ومؤسسات كبيرة وهي التي نعمت من خيرات الوطن سنوات طوال، ولم تشارك بواجبها الديني والوطني والاجتماعي، ولم تستشعر مسؤولياتها فهي شبه غائبة مع سبق الإصرار، ولا أثر لها ولا وجود في ميادين العمل الخيري. والقائمون عن هذه المؤسّسات بحاجة إلى من ينمي عندهم الحس بالمسؤولية فهذه المؤسسات وما تقدمه من خدمات سيكون بإذن الله عاملاً مساعداً لضمان بيئة مستدامة للأجيال وركيزة أساسية في التنمية، ولازالت المسؤولية الاجتماعية عندهم حلماً يأمل المجتمع تحقيقه. شكراً لنادي الهلال على مبادراته، والشكر موصول لكل مؤسسة رياضية أو تعليمية تسهم في خدمة المجتمع، وتبادر لأعمال تعزز من المسؤولية الاجتماعية، وأتمنى من جميع الأندية الرياضية أن تحيي الزمن الجميل للعبارة الخالدة «رياضي ثقافي اجتماعي».