الكتابة للوطن غمسٌ لريشة القلب في دواة الولاء.. كيف لا وهي أرض ارتبطت برباط السماء؛ في أرضها أُنزل القرآن، ومشى على ترابها أطهر الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصحبه. إذا كان الفخر يستحث كل إنسان؛ ليقول «هنا الوطن»، فإننا نقول «هنا المجد وسنام الأرض».. وقد حُقَّ لنا أن نقول ذلك وأرضنا لا يكتمل إسلام المرء القادر إلا بزيارتها. أكتب هذه الكلمات اليوم بمداد القلب إلى كل مواطن ومواطنة.. إلى جيل الشباب خصوصًا: سياج الوطن وسلمه وسارية سفينته. في هذه المناسبة نستذكر مساءً، خرج فيه عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع مجموعة من رجاله؛ ليسقي بذرة هذه الأرض بفيض قلبه.. من ذلك اليوم بدأت الدولة السعودية الحديثة التي تجذرت في القلوب قبل التراب؛ ليكون التوحيد غراسها، والإيمان سماءها، واليقين هواءها.. فالحمد لله على فضله ونعمه. التوحيد في بلادنا له دلالتان مهمتان في نظري، نستذكرهما في كل ذكرى: دلالة الأرض، ودلالة السماء. الأولى أن بلادنا لم تخضع يومًا لمحتل أو مستعمر، بل التأمت وتوحدت من بعد شتات وفُرقة تحت راية العدل التي حملها عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، وآمن بها أهل هذه الأرض. والدلالة الثانية هي ارتباط إنسان هذه البلاد بحبل الله المتين المتصل بوحي السماء بتوحيد الله -عز وجل- وحده لا شريك له. وهي العقيدة الصافية التي تأسست على يقينها هذه البلاد، وعزز جذورها الملوك السابقون -رحمهم الله - جميعًا، حتى اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-. التاريخ مواقف ودروس، تُروى جيلاً بعد جيل، يقيِّض الله فيه لكل زمان رجالاً وقادة.. فكان في هذا الزمان الملك القائد سلمان، وكانت عاصفة الحزم. ومهما كتبتُ وتحدثتُ اليوم فلن أستطيع قراءة صورة شاملة متداخلة العناصر، استطاع المليك الحكيم أن يستبصر أبعادها، وخطورة الآثار الجيوسياسية المحيطة بها لحماية بلادنا ومنطقتنا.. وسندرك في المستقبل أهمية هذه العاصفة، وكيف كان مآل المنطقة في حال لم تكن. وكما أخبرنا التاريخ عن أمجاد بلادنا فإن الحاضر يشهد أن المملكة العربية السعودية أضحت -ليس في منطقتنا فحسب، بل في العالم أجمع- أهم الفاعلين في دعم السِّلم والأمن العالميَّيْن؛ ما أكسبها وقيادتها ثقة الشرق والغرب. الثقل السياسي البارز الذي تحظى به بلادنا يستند إلى بُعد وإرث حضاري وثقافي واقتصادي كبير.. واليوم من خلال رؤية 2030 فإن هذا الدور وهذا الثقل سيزدادان رسوخًا وفاعلية؛ فقد استلهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائد الرؤية وربانها جميع خصائص التميز التي تتمتع بها بلادنا؛ لتتحول من خلال برامج عمل مفصَّلة إلى وقود التفرد في المستقبل. والحقيقة إن نجاح هذه الرؤية مرتهنٌ بما نقدمه جميعًا، كلٌّ في مجاله، وميدان عمله، وكفاءة إنجازه.. وحسبُ هذه الرؤية تميزًا أنها مهَّدت للشباب مسارًا سريعًا نحو المستقبل، يمنحنا الفرصة والموقع المتقدم للفاعلية في سباق العالم المتسارع في ميدان النمو والتنمية. ولا أبالغ اليوم إذا قلتُ إن شبابنا المتسلح بالعلم والمعرفة والمهارات بوابة بلادنا الأوسع نحو تحقيق مرتكزات الرؤية السعودية: اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي ووطن طموح. ولنجعل كلمات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بوصلة شاملة وجامعة لنا حين قال: «نأمل من أبنائنا وبناتنا المواطنين والمواطنات العمل معًا لتحقيق هذه الرؤية الطموحة 2030». كما لا يفوتني أن ندعو لجنودنا في الحد الجنوبي، الذين يتنافسون في الذود عن حياض بلادنا، كلٌّ منهم يحمل روحه بين يديه مدافعًا عن وطنه وقيادته وأهله؛ فلهم منا كل الوفاء وخالص الدعاء. أخيرًا، فإن المستقبل مشرع الأبواب لنا، لكن الخطوات إليه تستلزم الإرادة والمسؤولية والإصرار والتسلح بالكفاءة والمعرفة.. وهي أدوات منحنا الوطن كل محفزاتها، ولم يتبقَّ علينا سوى العمل.. فحي على العمل. ** ** بقلم/ صاحب السمو الملكي - الأمير فيصل بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز - أمير منطقة الحدود الشمالية