ربما يتسم المثقفون في كثير من الأحيان بسمات القبيلة الاجتماعية ؛ فيجتمعون مع القبيلة في العرف التقليدي لها بسمات عديدة ؛ سيحاول المقال إظهار بعض هذه السمات: ففي الحين الذي ينتصر المثقفون فيه لمثقفٍ ما باعتباره ضمن أيديولوجيتهم المحددة من أيديولوجيا مخالفة لهم فهذا يدخل ضمن سمات القبيلة التي تدافع عن عضوها درءًا للعار الذي سيصيبها في حين تخلت عن أحد منسوبيها ، وفي الكثير من الأحيان نلحظ التقديس و التبجيل لمثقفٍ ما لاعتبار شهرته و عمر ولادته أو حتى لغزرة إنتاجه حتى يصل بقبيلة المثقفين أن تعلن على الملأ أحقيته بالجوائز التي نافسَ عليها أو بأحقيته لشيء من امتيازات السلطة وذلك لاتفاقهم مع أفكاره ؛ وسيكون هذا المنحى بوضوح في القبيلة التي تدعم شيخها و تجعل منه القائد الملهم لها الذي تعتبره الأحق بكل هيبة من السلطة و المجتمع. ولم يعد في قبيلة المثقفين الأمر نقاشًا بينهم بقدر ما هو انتصارا لثقافتهم من مخالفيهم ؛ فالثقافة بالنسبة لهذه القبيلة إنما هي محل اجتماع و انتصار و مدافعة عنها وليست محل نقد و تمحيص ؛ فهي دائرة بين الانتصار والمدافعة عنها أو تجاهلها حينما يكون مخالفًا لهم ؛ وبذا يفقدون النقاش و النقد و المراجعة والتفكير ويكتفون بنشر الأفكار و(إعادة التغريد لها) حتى تضحي بضاعتهم بينهم منقولة أكثر من كونها متنوعة و متغيرة إن لم تكن متطورة ؛ وهذا ما يجمعهم بسمات القبيلة التي تخوض مع أعضائها في حالة السلم و الحرب (وما أنا إلا من غزية إن غوت **غويت وإن ترشد غزية أرشد) ؛ فالقبيلة ليس من همها نقد ذاتها و لوك أفكارها بقدر ما يكون همها الانتصار على القبائل المنافسة لها ؛وهذا الذي يجعلها تهتم بالاجتماع في حال الرشد و الغي ؛ وينصب ذهنها على العقل الجمعي أكثر من العقل الفردي القائم على المناقضة و المناقدة. وفي قبيلة المثقفين نلحظ الاصطلاحات ثابتة غير مفكر فيها ؛ فهو (تنويري - منقذ - إصلاحي) يحمل النور للجميع ؛ وفي قرارة ذاته أنه رسول على شكل مثقف حداثي أو شيخ سلفي ؛ وهو ذاته ما نراه عند القبيلة في أعضائها المبجلين الذي يهتمون لأمر القبيلة ويرفعون اسمها فوق اسم كل القبائل ؛ ويزيحون عنها رذائل القبائل الأخرى من ضعف وهوان. وأكثر ما يجتمع عليه قبيلة المثقفين مع القبيلة الاجتماعية هو العقل الجمعي الذي يفكر من خلال الموافقين له أكثر من تفكيره من خلال المخالفين ؛ ويتقوى بالموافق أكثر من قوته بالمخالف ؛ وهذا لضعف فردانيته التي يعرف أنه لا يمكن الاعتماد عليها. - صالح بن سالم