يقول الزميل علي الحميدي في وصف له مختصر عن الجمهور الحاضر لحفلة الرياض ومعلقاً على وصلة فنان العرب محمد عبده «انتظروه 30 سنة ليغني له، ثم حين جاء غنوا له»، أعتقد أن الحميدي اختصر الكثير بوصفه. مرت الرياض مساء الخميس الماضي التاسع من مارس الجاري، بحالة فنية ممتعة كان بطليها فنان العرب محمد عبده والفنان راشد الماجد، ومن أمامهما أكثر من 3000 شخص، من خلال سهرة غنائية أقل ما نستطيع أن نصفها بأنها «حالة». أُعلن عن حفلة الرياض، تمكنت روتانا من جمع اثنين من علية القوم في الأغنية السعودية، بدأ جمهور الرياض في حالة ذهول بين تصديق الخبر وانتظار الأيام «محمد عبده وراشد الماجد» في ليلة غنائية واحدة، أمر مذهل لم يحدث سابقاً، هل ستتم هذه «الحالة المنفردة»، بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في حالة متباينة، هناك من دعا لإيقاف الحفلة، وهناك من يريد لها أن تكون، وهذا التباين حال مجتمعنا، لا يهم، قبل الحفل بأسبوعين، طُرحت التذاكر، وفي تلك الليلة نفدت بالكامل، يثبت أن الجمهور في حالة تعطش فني، كيف لا يمكن أن تنفذ هذه التذاكر واثنان من أهم فناني السعودية سيغنيان في عاصمة بلدهم ويتغنيان بها، ولماذا لا تنفد وأكثر من ثلاثة عقود كانت آخر حفلة، المهم التذاكر نفدت، وهنا بدأت استعدادات ما قبل الحفلة. استنفار واسع، روتانا بطواقمها الإدارية والفنية في الرياض للترتيبات، تأشيرات الفرقة الموسيقية اكتملت، تجهيز ديكور المسرح، الكاميرات في أماكنها، محمد عبده وراشد الماجد قبل الحفل بليلتين يقومان بإجراء البروفات، مقاطع الفيديو من داخل البروفات تصلنا، حالة من الإيجابية، مؤشرات تذهب إلى نجاح الحفلة «الحالة». ليلة الحفل، الجهة المنظمة تصدر تعليماتها للجمهور، احذروا من الذاكر المزوّرة وتقيدوا باللبس الوطني، اتصالات تردنا، الطلب واحد «دبرنا في تذكرة» حاولنا دون تمكُّن، التذاكر انتهت، بدأ الجمهور في التوافد قبل الحفلة بساعتين، الكل باللباس الرسمي، قبل الدخول وفي أحد أركان مركز الملك فهد الثقافي انتظم الجمهور في تأدية صلاة العشاء، وأخذوا طريقهم بانتظام للمسرح. بدأ المايسترو هاني فرحات وفرقته، ودخل راشد الماجد وسط ترحيب واسع، فغنى للجمهور من أجمل ما قدم، واصل تميزه وتفرده العجيب على المسرح، يتبادل مع الجمهور الحديث، وختم وصلته بتصفيق حار. دقائق بين الوصلتين والجمهور في حالة ترقب، ظهر لهم المايسترو وليد فايد، ولحقه فنان العرب محمد عبده، توجه لتحية الجمهور وقطع المسرح بالعرض وكأنه يحيي كل شخص حاضر، لم يبق واحد من الجمهور جالساً على كرسيه، بادلوا فنان السعودية الأول بكل حب واعتزاز، مضى بهم متنقلاً بين أجمل الكلمات والألحان والصوت، يبدوا بأنهم هم من قدموا للغناء، يحفظون أغاني فنانهم ويتناغمون مع الفرقة الموسيقية بكل مهنية غنائية، ترك لهم فنان العرب المجال، بل وغنى معهم. في ليلة الرياض، أخذ الجميع هواتفهم ووثقوا الحالة، ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، واشترك معهم من هم خارج القاعة، وغنوا هم كذلك، وصلت الحفلة لآخرها، ليعود مجدداً راشد الماجد ليغني مع فنان العرب أغنية «الجيش السعودي» وهي تحية لرجال أمننا البواسل على الحدود وتأكيد بأن الفن رسالة سامية، ولتأكيد ذلك قدم فنان العرب وراشد الماجد والجمهور الحاضر أغنية للوطن «فوق هام السحب» وهذا العمل والذي يعود تاريخه لمنتصف الثمانينيات الميلادية، ما زال هو العلامة الفارقة للتغني والغناء بالوطن. انتهت الحفلة كما أُريد لها، الجمهور من الشباب السعودي عاش ليلة حالمة، النجاح والدقة في التنظيم كانت العلامة البارزة، ولم يك هناك أي تأثير لإنجاح الحفلة «الحالة» وخرجت الرياض تلك الليلة وهي تغني للوطن ولرجال الأمن.