تحتفل إسرائيل بمرور مئة عام على وعد بلفور. وحكام «إسرائيل» يعبرون بكل المعاني عن امتنانهم لبريطانيا التي منحت - بموجب وعد بلفور «المشؤوم» - الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم بفلسطين. هكذا إذن، وبعد مرور قرن بأكمله، اقتُلع الشعب الفلسطيني من جذوره ليحل محله وطن قومي للشعب اليهودي. إن الأخطاء السياسية غيَّرت مناخ أشجار الزيتون، وزرعت مكانها أشجار الغرقد. وفي الجانب الآخر تم اعتقال الزمن؛ ليبقى التاريخ أسيرًا في سجون إسرائيل مكبلاً بسلاسل من حديد. أزمات سياسية تعيد التاريخ إلى 100 عام مضت، مهّدت وعملت من أجل هجرة اليهود إلى فلسطين، وأنهت انتداب بريطانيا عليها مع إعلان «إسرائيل» إقامة دولتها عام 1948. حقائق لا يمكن أن تموت في ذاكرة كل عربي. إذ ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن العائلة المالكة في بريطانيا قد تقبل للمرة الأولى دعوة رسمية لزيارة ملكية لإسرائيل في الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي أعطى اليهود حقًّا في فلسطين، التي تحل هذا العام. علاوة على ظلم الاحتلال وجرائم الاستعمار تحيي بريطانيا ذكرى الوعد المشؤوم، وهي المسؤولة عن هذا الوعد؛ فقد باتت في حاجة ماسة إلى تبرير هيمنة وسلطة إسرائيل وحقوق الإنسان. ليس هناك أي شك في أن ديمقراطية بريطانيا التي تظهر بها أمام العالم هي التي تؤيد حقًّا مغتصبًا، يعمل على تدمير وتدنيس الأماكن المقدسة بمعول وحقد المنظمة الصهيونية، وتدعو إلى توطين اليهود وبناء المستوطنات على رفات الشعب الفلسطيني. عندما يستحضر العربي الضمانات التي أُعطيت لإسرائيل يعلم يقينًا أن جميع الدول العظمى تعمل على سيادة هذه الدولة التي قامت على الأرض العربية، وسيظل هذا الحق مصادرًا. وفي نقل للتايمز أنه من الممكن أن تلبَّى الدعوة الإسرائيلية هذه المرة من قِبل العائلة المالكة. ومعروف أن الزيارات الرسمية للخارج التي تقوم بها العائلة المالكة تتم بنصيحة من وزارة الخارجية البريطانية. كانت الوعود - وما زالت - تدور في الأروقة السياسية المظلمة بعيدًا عن عيون الإعلام وشبكات الأخبار، باستثناء وعد بلفور الذي تفور حممه سنين طويلة، وتطفح من الشقوق على جوانب البركان. وضمن هذه السياسة تتم إقامة الأسوار العالية لحماية إسرائيل. لم يكن هذا الوعد تاريخًا وذكرى، بل هو معتقد في قلب كل يهودي شد الرحال إلى أرض الميعاد حسب اعتقادهم. لقد تم ردم الماضي من أجل حاضر يسكن في غياهب المستقبل. «هنا تتجلى براغماتية الغرب. راغبًا في التمدن والتمدين، ولكن الرغبة الأكبر لديه هي السيطرة الكاملة على كل الفضاءات. إن إصرار الغرب على الفصل بين مبادئه وقيمه والأراضي التي غزاها هو ما يتكرر حتى الآن - حسب تحليل الصافي بن سعيد - وهي تنطبق على ذكرى مئوية وعد بلفور واحتفاء بريطانيا به». لا شك في أن هذه الذكرى تستفز المسلمين والعرب.. ونشر هذه الاحتفائية والزيارات الملكية البريطانية لا يعبّر عن تسويات منصفة أو عادلة بين إسرائيل وفلسطين. وما تناقلته عبر وكالات الأنباء الرسمية والعالمية تخبر بأن العالم أصبح أكثر جنوحًا، وأكثر تسلحًا بأدواته وعنتريته ضد الحقائق؟! وبمعنى آخر، أصبح العمل الإرهابي القديم له أسماء أخرى بهذا التساؤل الذي تصدر عناوين الصحف ووسائل الإعلام: بمئوية وعد بلفور المشؤوم.. هل تلبي ملكة بريطانيا دعوة «إسرائيل»؟