مزج الخميني في تعاليمه التي روجها قبل أن يصل إلى السلطة من خلال الرسائل القصيرة والكتيبات والمحاضرات بين التشيع الاثني عشري على الطريقة الفارسية التي لا تخلو من الخرافات والأوهام الخارجة على العقل والمنطق والحجة؛ كما هو الشأن في مؤلفات الكليني والقمي والطوسي وغيرهم، والبناء على عقيدة الغيبة الكبرى والرجعة، ثم نقل قداسة الإمام «في عصر غيبة الإمام الحجة» إلى من ينوبون عنه وهم الولاة الفقهاء الذين يتولون إدارة شؤون الناس من السياسة إلى الإفتاء في دقيق الأمور وجليلها بما عبر عنه الخميني تعبيرا واضحا وجليا بعنوان كتابه «ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية». ذهب الخميني إلى تأكيد ما سبق أن شرعه فقهاء الفرس بمنح «الولي الفقيه» مشروعية قيادة الأمة والتصرف بالإنابة عن الإمام الغائب الذي أيضا يتصرف كمندوب إلهي؛ فاكتسب الولي الفقيه العصمة والقداسة من المعصوم الغائب، وفكرة الولاية التي شرعها فقهاء الفرس القدماء ومن قبلها حكاية السفراء الوكلاء الأربعة النائبين عن الإمام المهدي الغائب يراد من خلقها وتأصيلها اكتساب القداسة والطاعة العمياء من العامة للولي الفقيه ومنحه الصلاحية المطلقة لتولي القيادة السياسية والدينية معا؛ وهو ما طبقه الخميني كأول ولي وفقيه يمارس ما نص عليه هذا المبدأ الذي أصل لتحقيق هذه الغاية السياسة حتى لو طال أمد انتظارها. لقد جمع التشيع الفارسي بين كثير من التقولات المختلقة واستند إلى تأليف نصوص تمنحه قيادة العامة قيادة تامة واستجلب من التقاليد الفارسية غير قليل من الطقوس ومن المسيحية مفهوم التطهر بتعذيب الذات كالتطبير وكون للمجتمع الفارسي ومن تأثر به من المجتمعات العربية تقاليد غريبة تغيب العقل والذاكرة في البكائيات التاريخية التي اندثرت ويريد التشيع الفارسي إعادة استحضارها من جديد بعد أن طواها الزمن؛ لإيقاظ روح الانشقاق في الأمة، وهي غاية بعيدة ما فتئ المتطرفون من الفرس كالبويهيين والصفويين ثم الخمينينيين يسعون إلى تأجيجها؛ لا انتصارا لآل البيت - كما يزعمون - بل عداء للعرب السنة على الأخص وانتقاما لما أصاب الفرس من انكسار وهزيمة على يد العرب. ومزج الخميني بين الموروث من خرافات التشيع الفارسي واجتهادات الجماعات الإسلامية السياسية؛ كجماعة الإخوان المسلمين الذين وجد فيهم شيعة الفرس منذ أن نادى حسن البنا بأفكاره نقاط التقاء بين الحركتين؛ على الرغم من عدم اتفاق فكر جماعة الإخوان في حكاية الغيبة الكبرى والرجعة، إلا أن بينهما اتفاقا على منح الولي الفقيه عند الفرس و»الإمام المرشد» عند الجماعة حق الطاعة العمياء وحق القيادة وحق السمع والطاعة؛ ولذلك اقتبس الخميني من الجماعة مصطلح المرشد العام الذي هو المنصب الأعلى في الجماعة وتسمى ب»المرشد الأعلى للثورة الإسلامية» واتفقا أيضا في أنهما يطمحان إلى مجد سياسي غير عادي؛ فالفرس يتوقون إلى استعادة مجد إمبراطوري غارب وانتقام من الشعوب العربية، والإخوان يطمحون إلى إقامة حكومة أممية كبرى تحت مسمى إسلامي وفق رؤيتهم. ولهذا يمجد الفرس رموز الجماعة ويستفيد مفكرو الاتجاه الخميني بمتشدديه ومتسامحيه من مفكري الجماعة كحسن البنا وسيد ومحمد قطب والهضيبي وغيرهم، وينشرون صور بعضهم مكبرة في الشوارع الرئيسة بطهران، ويطبعون كتبهم باللغة الفارسية ويوزعونها على نطاق واسع. وبعودة إلى العنوان الرئيس للمقال: قدمت الثورة الكهنوتية تغييب العقل، وتمزيق الأمة، وإشعال وتيرة الشحناء والكراهية بين الطوائف، وتوتير الحالة السياسية في المنطقة وصرف الاهتمام عن التنمية والبناء والرخاء للشعوب الإيرانية والأمة العربية إلى التسلح والحروب واستنفاد الموارد، وأشاعت في إيران وكل أرض وطأتها أقدام الولي الفقيه الفقر والخراب والدم. أوقفت ثورة المعممين اتجاه الحياة في إيران إلى الانفتاح على المحيط العربي وعلى العالم بثقافاته المتعددة، وهجرت وأعدمت آلاف الكفاءات الإيرانية المميزة، واضطهدت الأقليات غير الفارسية. لم يقدم الصفويون الجدد سوى العنصرية والكراهية والخوف وعدم الاستقرار. وبعد ثمانية وثلاثين عاما من البؤس هل اقترب الأفول على يد ترامب بعد التوسع على يد أوباما ؟!