أشرتُ في الحلقة السابقة إلى أنّ الرؤية التي قدّمها الزميل سعد المحارب لتطوير معرض الرياض الدولي للكتاب (في العام الماضي 2016م) تدشّن مرحلة جديدة من مراحل نموّ المعرض، يمكن أن نطلق عليها مرحلة التجديد. تقوم هذه الرؤية على أساسين، أحدهما: المحافظة على المكتسبات التي حققها المعرض في دوراته السابقة، والآخر: الإضافة إليها من خلال بناء رؤية جديدة شاملة لتنظيم المعرض، يمكن أن تُختصر في المحاور الآتية: أولاً: معالجة الهيكل الإداري للمعرض، من خلال إلغاء بعض اللجان، ودمج بعضها ببعض، وتقليص أعداد العاملين فيها، وتحديد مسؤوليات كلّ لجنة.. وقد تضمّنت هذه المعالجة تشكيل لجنة عامة برئاسة المشرف العام على المعرض وعضوية رؤساء اللجان، بهدف نقل القرار الخاص بالمعرض من (الفرد) إلى (الفريق)، ورفع مستوى التنسيق بين اللجان.. وقد شهدت اجتماعات هذه اللجنة صدور قرارات إدارية غير مسبوقة، أسهمت في تنظيم جوانب كثيرة في المعرض كانت فيما مضى متروكة دون إطار تنظيمي واضح. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المحور المساحةُ التي أتاحتها الرؤية لإعادة صياغة العلاقة التي تربط بين إدارة المعرض (بصفتها ممثلة للوزارة) والجهات الأخرى التي تساندها في التنظيم؛ لتكون إدارة المعرض -والحال هذه- الجهة الوحيدة المخوّلة (فعلياً) بصياغة رؤية المعرض، وبناء خطته التنفيذية. ثانياً: الاهتمام بالبعد الفني للمعرض، من خلال تعيين هوية بصرية له (تجسّدها بواباته وممراته)، وتمييز أرضية صالاته بالألوان، وإشراك جميع الفنون الإبداعية المتنوّعة في بناء صورة جديدة له. وكلّ ما سبق يندرج تحت محاولته الجادة في استثمار كل ما يمكن استثماره في المعرض لتأسيس فعل ثقافي يواكب هذا النشاط ويعكس من خلاله مستوى الحراك الثقافي في بلادنا. وقد أسهمت هذه الجزئية في ولادة تعاون متميز بين إدارة المعرض وعدد من المؤسسات والجهات المعنية بالفعل الثقافي، وأهمها: الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. ثالثاً: محاولة إجراء تغيير نوعي في تصميم المعرض يمكّن الوزارة من رفع مستوى مشاركة دور النشر، وقد أفضت هذه الجزئية إلى عدد من التغييرات، منها: تقليص المساحات المخصصة للجهات الحكومية ودور النشر، ونقل منصة الإهداء إلى (القاعة الملحقة) بهدف خدمتها بشكل أفضل، والاستفادة منها في تحريك الجزء الملحق بالمعرض. رابعاً: مراجعة قائمة الخدمات التي يقدمها المعرض للناشرين والزوار، والعمل على تنويعها وإثرائها، وقد أفضت بنا هذه الجزئية إلى عدد من الخدمات الجديدة، كخدمة إدارة الحشود، وخدمة النقل التردّدي (التي تهدف إلى مضاعفة الطاقة الاستيعابية لمواقف السيارات)، والتوسّع في توفير مساحة أكبر للمطاعم والمقاهي، إضافة إلى تقديم خطة موسعة لإضافة عدد من الخدمات خلال الدورتين القادمتين. خامساً: المساهمة في تجويد النشاط الثقافي المصاحب للمعرض، من خلال مناقشة عدد من الرؤى الجديدة حول بنائه وتنفيذه، وتوسيع صلاحية اللجنة في اختيار الموضوعات والمحاور والأسماء، وتكليف اللجنة الثقافية مهمةَ الإشراف على تنفيذ البرنامج، وهي الفكرة عينها التي سعى إلى تأسيسها الزميل زيد الفضيل في عام 2014م حين تولى بنفسه وبمساندة بعض أعضاء اللجنة الإشرافَ على تنفيذ البرنامج الثقافي من بدايته إلى نهايته. سادساً: إعادة صياغة الخطة الإعلامية للمعرض، وقد تضمّنت هذه الجزئية توسيع صلاحيات لجنة الإعلام والمعلومات، وتنويع أدواتها، وإلغاء بعض المسؤوليات (التقليدية) التي كانت تنهض بها في الدورات السابقة. وقد ظهرت هذه اللجنة بشكل مختلف قبل انطلاقة المعرض، وكان للزميل سعيد الدحية الزهراني وفريقه دور كبير في إنجاح أعمالها وفق ما تضمنته الرؤية. كانت هذه محاور رئيسة في الرؤية التي قدمها الزميل سعد المحارب، وهي تنشط في سياقات متعدّدة لتحقيق هدف كبير، هو الخروج بالمعرض من سطوة الإطار (الذي فرضته مرحلة التأسيس) إلى فضاءات التجديد أو التجريب والابتكار. (وفي الحلقة التالية حديثٌ موسّع عن العقبة التي واجهت تنفيذ جزء من هذه الرؤية وخطتها التنفيذية).