عانى الاقتصاد المحلي خلال العام الماضي من تباطؤ حاد بالنمو تماشياً مع الظروف الاقتصادية العالمية السائدة التي هبطت بأسعار النفط لمستويات دون ثلاثين دولاراً مع تذبذبات كانت الأكبر منذ سنوات مما أدى لاتخاذ تدابير تحوطية برفع كفاءة الإنفاق وترشيده حتى يتم تقليص الآثار السلبية على المالية العامة للدولة وتخفيض العجز بالموازنة، ولذلك كان عاماً انتقالياً بين مرحلة نمو كبير تزامنت مع الأسعار المرتفعة للنفط والمرحلة المقبلة التي يعد العام الحالي بداية جديدة لمرحلة نمو مستدام بمعايير وأهداف مختلفة بعد أن تم بناء الكثير من المشروعات مثل الجامعات والمدارس والمستشفيات والطرق ومرافق عدة تساهم بجذب الاستثمارات والنهوض بالخدمات الأساسية لتواكب النمو السكاني. ففي العام الماضي وصل النمو بالناتج المحلي إلى 1،4 في المائة بعد أن كان متوسط النمو يفوق 5 في المائة لحوالي عشرة أعوام في الفترة التي كان سعر النفط يتصاعد فيها حتى بلغ 147 دولاراً عام 2008م التي سجل فيها أعلى فائض تاريخياً بالميزانية، أما العام الحالي فتوقعات صندوق النقد تغيرت -مؤخراً- لتنخفض من 2 إلى 0.4 في المائة، بينما تشير توقعاته إلى تحسن النمو بالقطاع الخاص إلى 2 في المائة بعد أن سجل نمواً ضعيفاً العام الماضي عند 0،11 في المائة؛ أي أن التراجع بالنمو الكلي سيكون سببه خفض إنتاج النفط حسب تقرير الصندوق بعد اتفاق دول أوبك والمنتجين من خارجها على خفض الإنتاج لكي يتحقق التوازن بالسوق وتستقر الأسعار عند متوسطات مقبولة يراها البعض من بيوت المال العالمية بحدود 55 دولاراً للبرميل، مما يسمح باستقرار أداء اقتصاديات الدول المصدرة للنفط التي تعتمد عليه بنسب كبيرة بإيراداتها، فتحديات العودة بالنمو الاقتصادي لمستويات أعلى من العام الماضي وترتفع تدريجياً عاماً بعد عام تم أخذ إجراءات عدة لمواجهتها كبرنامج التوازن المالي، وأيضاً حساب المواطن لتعويض الفئة المستهدفة بالدعم حتى يبقى دورها المؤثر بالإنفاق الاستهلاكي قوياً كما هو بالسنوات الماضية، لكن كل تلك الإجراءات تبقى إطارات عامة تحتاج إلى «خطط تفصيلية»، واستهداف لقطاعات تكون مؤثرة بأغلب القطاعات المساندة والأنشطة بمختلف أنواعها والمنشآت بكل أحجامها، فالهدف الرئيسي يجب أن يكون رفع مستوى الطلب الكلي بالاقتصاد من خلال قطاعات ذات ارتباط عميق بكل الأنشطة ويبرز على رأسها «القطاع العقاري» وتحديداً بناء الوحدات السكنية التي تحقق أكثر من هدف تنموي بوقت واحد، فمشكلة تملك السكن تعد كبيرة ويحتاج السوق لأكثر من مليون وحدة سكنية خلال الخمس إلى السبع سنوات المقبلة فقطاع الإسكان يمكن أن يحرك عجلة الطلب بعشرات الأنشطة التجارية ويولد فرص عمل واسعة، ولذلك لا بد أن يتحرك النشاط بهذا القطاع ليعوض تراجع الإنفاق الحكومي بعد سنوات طويلة من الاعتماد عليه فما أعلنته وزارة الإسكان -مؤخراً- عن حوالي 280 ألف منتج سكني قد يكون هو ما تستهدفه بمبادرات برنامج التحول 2020م لكن بقياس حاجة السوق وحاجة الاقتصاد لرفع معدلات النمو الكلية فإنها غير كافية مما يعني أنه لا بد من التسريع بمبادرات وشراكات واسعة مع القطاع الخاص لبناء ضعفي ما اعتمدته وزارة الإسكان حتى الآن حتى يتحسن النمو بالاقتصاد وتعود الحيوية للطلب على مواد البناء كالحديد والأسمنت المنتج محلياً وكذلك خدمات التمويل والتسويق. أما الخطوات الأخرى المساندة لنمو الاقتصاد وإعادة توليد الوظائف فركيزتها عودة الثقة للسوق من خلال جذب الاستثمارات وانخفاض تكاليف التمويل، فالركود الاقتصادي يأتي بدرجة رئيسية من تأثيرات نفسية تواكب تغيراً بمحركات النمو العام التي كان للإنفاق الحكومي الدور القائد فيها، حيث يتوقف المستثمر عن تنفيذ خططه المستقبلية سواء بإلغائها أو تأجيلها، وهو نوع من الإنفاق عموماً لكنه استثماري وأيضاً عندما يقلص الفرد إنفاقه إذا بدأ دخله ينخفض أو فقد وظيفته أو شعر بعدم الأمان أو الاستقرار الوظيفي وهو ما حدث بالعام الماضي فعلياً، حيث ارتفعت نسب البطالة إلى 12،1 في المائة بنهاية الربع الثالث ارتفاعاً من 11،5 في المائة. النمو بالاقتصاد تحدٍّ لكل الدول باستدامته وتقليص مدد الركود بين الدورات الاقتصادية لأقل فترة ممكنة ولا يمكن معالجة التضخم ورفع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وتقليص الواردات وتوليد فرص العمل إلا بنمو مستدام تكون آثاره ظاهرة على جل قطاعات وأنشطة ومنشآت الاقتصاد ويفوق بمعدلاته النمو السكاني ليبقى مواكباً لنمو الطلب ويعالج الملفات الرئيسية، خصوصاً البطالة، حيث يدخل سوق العمل سنوياً أكثر من 300 ألف شاب وشابة، وهو ما يمثل تحدياً تنموياً يتطلب حلولاً واسعة وعاجلة.