تميزت صداقتهما بالندرة في هذا الزمان، استمرت لسنوات عديدة. فاحت عطراً وجمالاً، وكانت مضرب المثل عند الآخرين. أحاديثهم درر ولقاءاتهم جمعت بين رنيم الصدف وأجمل الأوقات. بيْد أنّ جميل العطاء يهدى من طرف كان أكثر وفاءً وتضحية. ومع مرور الأيام، انطفأت شموع الاشتياق وانقطعت حبال الوئام التي تربط صداقتهما. ويعزى ذلك لعدم تقدير أدبيات الجمال وذوقيات الصداقة من الطرف المستفيد دوماً، والمعتاد على تلقي العطاء ولمسات الوفاء. الذوق هو النفس الشفافة التي تفهم الخطأ، وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين، وابتسامة الوجه (النابلسي)، والذوق من أسمى الأخلاق وأرفعها منزلة. يتجلى جمال الإنسان وذوقه في الابتسامة الناعمة والدافئة، واللطف الرقراق والإحسان لمن حوله. والتغاضي عن أخطاء الآخرين وهفواتهم، والترفع عن سفاسف الأمور. وفي قلبه النبيل وروحه النقية تعلق بخالقه عزّ وجلّ. يقول ديبي فيلوز: (لا يهمني كم بعت في يومي، بل كم ابتسامة زرعتها على وجوه عملائي). فما أروعها من عبارة تغدو بها حياتنا، وتصبح أكثر رونقاً وجمالاً وذوقاً أصيلاً. لقد تعددت التعاريف في معاني الذوق والأتيكيت. وتحمل هذه التعاريف في طياتها مفردات لطيفة، ومصطلحات رقيقة. وقد عبّر عباس السيسي عن هذه المدلولات بذكره: (أنّ الذوق هو الأخلاق حين ترتدي أجمل ثيابها، وهو عطر الأخلاق ونفحاتها، والذوق هو الأخلاق حين تتألق في إنسان. فالذوق قواعد وسلوك، والذوق حركة من لطائف الروح ونقاء القلب). ومن جماليات القرآن الكريم وأدبيات الذوق في السنّة النبوية: - (الإفساح في المجلس) - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. - بينما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ جاء رجل من الأعراب فتزحزح له النبي صلى الله عليه وسلم، بالرغم من أنّ المسجد لم يكن ممتلئاً، فقال هذا الأعرابي وقد لفت نظره هذا التصرف: يا رسول الله لِمَ تزحزحت؟ إنّ في المسجد سعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حقّ على كل مسلم إذا جاء أخوه أن يتزحزح له). والحديث عن الذوق في مجالات عديدة نبع لا ينضب، وفي هذه المقالة سأتحدث عن ذوقيات التعامل مع الأصدقاء والأقران: 1 - مقابلة الأصدقاء بنفس طيبة وابتسامة مشرقة. 2 - اللباقة في الحديث، وتحضير بعض المواضيع الماتعة ذهنياً قبل اللقاء، حتى تكون الجلسة هادئة. 3 - الاستمتاع بأجواء جميلة، وعدم الخلط بين الهموم ومشاكل الحياة بأطر الصداقة، لكي لا تنعدم المودة. 4 - إنّ من قواعد الذكاء الاجتماعي، الاستشارة بين الأصدقاء حتى تعزز الثقة بينهم. 5 - إدخال عنصر المفاجأة وتبادل الهدايا في المناسبات، مصحوبة ببطاقات تحمل أجمل العبارات. إضاءة: الصداقة تأتي في مرتبة الحب، فهي كالحب، وكسر لعزلة القلب، وتدمير لصقيع الغربة. - (غادة السمان) كُتب جميلة يُنصح بها: -كتاب ذوقيات، المؤلف (د. خالد بن صالح المنيف). جسد من حرير وأريكة من كشمير ( رجاء بنت حسن القاضي).