وسط تهليل وتكبير من الطائفين في الحرم المكي الشريف، وفي مشهد قَلَّ أن يتكرر، استطاع الشاب القطري المعروف غانم محمد المفتاح، الذي خُلِق بنصف جسد، وبدون أطراف سفلية، أن يطوف بالكعبة المشرفة سبعة أشواط مشيًا على يديه رافضًا استخدام كرسي متحرك، وذلك في مشهد مهيب، شاهده كل الطائفين حول الكعبة المشرفة بعد صلاة مغرب يوم أمس الجمعة. حلم الشاب القطري الذي أطلقه قبل فترة بأن يطوف حول الكعبة المشرفة على يديه تلقفه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وعمل على تحويل حلم غانم إلى حقيقة؛ إذ أدى مناسك العمرة، ولكن ليس كما الأصحاء أو المرضى الذين يجلسون على كراسي متحركة، يدفعها أقاربهم أثناء الطواف، ولكن سيرًا على يديه. وقد تولى الأمير سلطان بن سلمان بنفسه متابعة الترتيبات الأمنية لتسهيل حركة غانم وأفراد أسرته؛ إذ كلف سموه فريقًا من المسؤولين لاستقبال الشاب منذ وصوله إلى مكةالمكرمة حتى أدائه العمرة مع أفراد أسرته. كما حقق الشاب القطري حلمه بتقبيل الحجر الأسود، وسعد بلقاء إمام الحرم المكي الشريف الشيخ ماهر المعيقلي قبل أن يُتمَّ نسكه بيُسر وسهولة. ويُعد الشاب القطري من أصحاب القدرات الخاصة؛ إذ حقق الكثير من الإنجازات، وحطم الكثير من الأرقام القياسية، ويُعد أحد أبرز قاهري الإعاقة مثبتًا للأصحاء أن الإرادة لا يمكن قهرها، أو الوقوف في وجهها. وقد عبَّر الشاب غانم المفتاح عن شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على حُسن الاستقبال، وترتيب مناسك العمرة له، التي تمت - ولله الحمد - بكل يسر وسهولة. وبث غانم تسجيلاً مصورًا عبر حسابه على انستجرام، شكر فيه سمو الأمير سلطان بن سلمان على موقفه، والشيخ المعيقلي على دعواته، مثمنًا الجهود التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الاهتمام بالحرمين الشريفين. الطفل القطري غانم محمد المفتاح توأم لشقيقه أحمد. وفي خلال أشهر الحمل أبلغ الطبيب والدته بأنها حامل بتوأم، واحد منهما يعاني تشوهًا كبيرًا وضمورًا في العمود الفقري، ويفتقر إلى وجود حوض؛ فكانت الأم الحنون أمام خيارين لحفظ أو فقدان الطفل. ومع اختلاط المخاوف بالحب والأمل كانت هي وزوجها القدمَيْن اللتين فقدهما غانم في حياته، وتحولت الأم من شخصية عادية إلى مخترعة ومبتكرة ومثقفة، وصنعت الكثير لتسهيل الصعوبات أمام غانم في المنزل من بناء مدرجات وأبواب صغيرة إلى سلالم متحركة ومنحدرات لجميع المداخل، إضافة إلى الأركان التي يمارس فيها جميع حياته بشكل طبيعي. وعلى الرغم من الصعوبات في التحاقه بمدارس الدمج كان قرار مركز الشفلح في قطر بتكفل جميع نفقات تعليم غانم لكي ينهي جميع مراجعه الدراسية داعمًا قويًّا له؛ ليصبح طالبًا مثابرًا متفوقًا بأكاديمية الجزيرة، وأثبت خلال فترات قصيرة نجاحه. ويعد غانم من الشخصيات الجريئة الواثقة كثيرًا بنفسها، وله مشاركات في بطولة ذوي الإعاقة في دبي. وأنشأ جمعية غانم الرابح للكراسي المتحركة، وهي جمعية ليس لها صفة رسمية، ومقرها منزله، ويسعون من خلالها إلى شراء عدد من الكراسي، وصلت قيمتها إلى 200 ألف ريال، ووُزعت على المحتاجين، إلى جانب تأليف كتيبات وطباعتها، يسرد فيها قصة قصيرة عن حياة غانم باللغتين العربية والإنجليزية. وقد سعت والدة غانم إلى تأسيس نادي غانم الرياضي عام 2008 للسماح لكل الأطفال، سواء الأصحاء أو من ذوي الإعاقة، بالاشتراك لممارسة ألعاب رياضية، مثل الكاراتيه وكرة السلة والتزلج، ضمن رؤيتها لتوفير مرافق تمكّن ذوي الإعاقة الحركية من الحياة باستقلالية. ويرافق الشاب القطري غانم والده محمد المفتاح ووالدته إيمان العبيدلي وأخوه أحمد وأخته غريسة وصديق العائلة الشيخ يوسف المرزوق من الكويت.