تقديم المترجم: نواصل مع ترجمتنا لهذه الدراسة النوعية الفريدة للبروفيسور يارون أيالون، أستاذ مساعد في التاريخ، جامعة بول ستيت، مدينة منسي، ولاية إنديانا، الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهو مؤلف كتاب «الكوارث الطبيعية في الإمبراطورية العثمانية: الطاعون والمجاعة ومصائب أخرى» ، قسم النشر بجامعة ولاية إنديانا، عام 2014، 240 صفحة. ونشرت الورقة في ديسمبر 2009: وهذا ما يفعله حسين لثلاثة من أشهر الشعراء الجاهليين: امرؤ القيس وعبيد وعلقمة. ووفقاً لحسين، لم تُعرف قصائد امرئ القيس علانية حتى فترة لاحقة، عندما بدأ رواة موثوقون في نشر قصائده. ولذلك فليس من الممكن أن تكون تلك القصائد قد نُظمت قبل ظهور الإسلام. ويستند حسين في هذا الزعم إلى ما يُعرف عن طبيعة امرئ القيس، الذي تقول الأسطورة أنه ينتمي إلى مملكة كندة، التي اعتنق شعبها الإسلام ثم تركوه بعد وفاة محمد وعادوا بعد ذلك ليقاتلوا بجانب المسلمين حتى تم الانتهاء من فتح جميع الأراضي العربية والفارسية. وينبغي أن يتوقع المرء، يقول حسين، إن الشعوب المجيدة، مثل شعب كندة، ستترك بصمتها على أدب وشعر الإسلام المبكر. ولكن لو نظم امرؤ القيس حقاً قصائده في ذلك الوقت، لكان قد عُرف في وقت أبكر مما عرف فيه، ولكن الجزء الأعظم من قصائده كُتبت في الواقع في فترة لاحقة. (37) ويستشهد حسين بكثرة بقصائد مزعومة لامرئ القيس، ثم يشكك في صحة كل واحدة منها. ثم يطبق حسين الانتقادات نفسها على الشاعرين الجاهليين الآخرين اللذين تناولهما في الفصل نفسه. ويعترف حسين أن بعض الاقتباسات التي يستخدمها ربما كان لها أصل قبل الإسلام. ولكنه يصر أن المرء لا يمكنه تحديد متى تم نظمها بالضبط، ويبدو أن مؤلفيها ماتوا بعد ظهور الإسلام. ولذلك، يعتبر حسين هذه الأمثلة غير مهمة. (38) وبعد ظهور كتاب «في الشعر الجاهلي» بأقل من سنة، نشر طه حسين «في الأدب الجاهلي». وتضمنت طبعة 1927، النص نفسه مع بعض التعديلات والإضافات ومن بينها حذف الفقرة الأكثر إثارة للجدل عن إبراهيم وإسماعيل. كما تضمنت مقدمة جديدة مطولة تناقش ثقافة مصر وآثارها التاريخية. وأخيراً، شملت الطبعة الجديدة المنقحة نقاشاً أدبياً أوسع في 17 فصلاً إضافياً. وهنا تناول حسين مجدداً، وبتفصيل أكبر، مسائل حول شعر وأدب الجزيرة العربية قبل الإسلام. وشرح حسين في مقدمة كتابه «في الأدب الجاهلي»، أن هذا الكتاب هو في الواقع «كتاب العام الماضي، ولكن جرى حذف فصل واحد وإضافة عدة فصول أخرى. كما تم أيضاً تغيير عناوين بعض الفصول». (39) وبدءاً من هذه العبارة، يُوهم حسين القراء أن الكتاب الجديد لا يقدم اختلافاً ثورياً عن الكتاب السابق. وفي الواقع، النظرة الخاطفة على فهرس المحتويات تجعل المرء يستنتج أن الكتابين متماثلان باستثناء اختلافات بسيطة للغاية. ولكن عندما يقرأ المرء الفصول الجديدة بعناية، تبرز صورة مختلفة. اختيار حسين توسيع الكتاب عبر إضافة المزيد من الأمثلة عن الشعراء والكتاب الآخرين يحمل دلالة أكثر مما تراه العين للوهلة الأولى. أكثر من ذلك، عندما نفحص رد فعل المؤلف على الانتقادات العنيفة التي وجهت ضده، يمكننا استخلاص الكثير ليس من التعديلات على النص الأصلي فحسب، بل إن صمت حسين حول بعض القضايا مهم أيضاً. ولفهم الأهمية الكاملة للكتاب الثاني، ينبغي للمرء أن يتذكر مرة أخرى الاتهامات العنيفة الموجهة ضد حسين بعد نشر كتاب «في الشعر الجاهلي»؛ فقد نشر رشيد رضا في مجلة المنار ملخصاً لهذه التهم مع تفسيره الخاص. (40) كما نُشر تقرير مفصل في كتيب نشرته النيابة العامة. أحد أهم الاتهامات ضد حسين كان أن كتابه «طعن في الدين الإسلامي عبر نفي ما ورد في القرآن الكريم عن إبراهيم وإسماعيل». (41) ولعدم قدرته على تفنيد رأي حسين على أساس تاريخي، دخل النائب العام في مناقشة معقدة لبعض حجج حسين الأخرى، مثل تشكل اللغة العربية والفرق بين العرب والمستعربين. (42) كما تم اتهام حسين بإنكار نسب النبي بطريقة وقحة عندما أشار إلى أدلة عن وجود بصمات إسلامية في الشعر الجاهلي ما جعله يستنتج حدوث تعظيم لشجرة نسب النبي. أي كما كتب: «ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وأضافته إلى الجاهليين هو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش؛ فلأمر ما، اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي وأن تكون قصي صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلها». (43) انتهى كلام طه حسين. وما أثار غضب العلماء هنا، كان تلميح حسين بأن نسب محمد تم تضخيمه بشكل مفرط ومبالغ فيه في التراث الإسلامي. كما اتهم حسين بأنه أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب وأ نه دين إبراهيم إذ كتب: «أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يُبعث النبي وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل». (44) انتهى كلام طه حسين. لقد كانت هذه هي الخلفية التي جعلت حسين يصدر «في الأدب الجاهلي». وليس هناك شك في أن كتاب «في الأدب الجاهلي» نجح في تهدئة الهيجان الجنوني الذي ثار بعد ظهور «في الشعر الجاهلي». طه حسين لم يتراجع ولكن غَيَّرَ الحجة ليخدع القراء لقد تمكن حسين من إنجاز ذلك على الرغم من أنه لم يُدخل سوى تعديلات طفيفة على الكتاب الأصلي. وفي الواقع، لقد عَدَّلَ مجرد موضوع واحد من ضمن عدة مواضيع أثارت الانتباه وهو الموضوع الذي تناول حقيقة الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل. مناقشة هذه المسألة متشابهة في كلا الكتابين في البداية، ولكن من ثم ينقل حسين «في الأدب الجاهلي» إلى اتجاه مختلف؛ فقد ابتعد عن إبراهيم وإسماعيل واختار أن يشكك في صحة الاعتقاد السائد أن اللغة العربية كانت دائماً موجودة في المنطقة، وأن جميع اللغات السامية نشأت منها. وفي الواقع، يؤكد حسين أن العربية الفصحى كما انعكست في الأدب الجاهلي استخدمت على نطاق واسع فقط بعد تأسيس محمد للمجتمع الإسلامي. ولهذا استنتج حسين عدم إمكانية نظم معظم الشعر الجاهلي قبل ظهور الإسلام ولذلك فقد تم تزويره من قبل الأجيال اللاحقة. وهكذا أعاد حسين تأكيد إحدى أهم حججه الواردة في كتاب «في الشعر الجاهلي». (45)